للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة

تقليد المفضول

إذا تعدد المجتهدون وتفاضلوا فلا يجب على العامي تقليد الأفضل بل له أن يقلد المفضول.

وعن أحمد وابن شريح منعه، بل يجب عليه النظر في الأرجح منهما، ويتعين الأرجح منهما عنده للتقليد.

ولنا قد علم قطعًا أن المفضولين في زمن الصحابة وغيرهم كانوا يفتون، وقد اشتهر عنهم ذلك وتكرر ولم ينكر أحد، فدل على أنه جائز، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) .

خرج العوام لأنهم المقتدون، وبقي معمولاً به في المجتهدين منهم من غير فصل.

واستدل: بأن العامي لو كلفناه الترجيح لكان تكليفًا بالمحال لقصوره عن معرفة مراتب المجتهدين وترجيح الفاضل والمفضول منهم.

الجواب: إن معرفة الترجيح ليست مستحيلة من العامي لأنه يظهر له بالتسامح من الناس وبرجوع العلماء إليه وعدم ورجوعه إليهم وغيره ككثرة المستفتين وتقديم سائر العلماء له والاعتراف بفضله (١) .

مسألة

إذا أمضى المستفتي قول المفتي:

جاء في غير ما كتاب من الكتب المذهبية – أي الحنفية المعتبرة – أن المستفتي إن أمضى قول المفتي لزمه وإلا فلا.

وقالوا: إذا لم يكن الرجل فقيها فاستفتى فقيها فأفتاه بحلال أو حرام ولم يعزم على ذلك – أي لم يعمل به – حتى أفتاه آخر بخلافه فأخذ بقوله وأمضاه، لم يجز له أن يترك ما أمضاه فيه ويرجع إلى ما أفتاه الأول.

وجه هذا القول: لأنه لا يجوز له نقض ما أمضاه مجتهدا كان هذا المستفتي أو كان مقلدا، لأن المقلد متعبد بالتقليد، كما أن المجتهد متعبد بالاجتهاد.

ثم كما لم يجز للمجتهد نقض ما أمضاه، فكذا اتصال الإمضاء.

الأمثلة: من ذلك ما قاله محمد في أماليه: لو أن فقيها قال لامرأته: أنت طالق البتة، وهو ممن يراها ثلاثًا، ثم قضى عليه قاض بأنها رجعية – لا يدع المقام معها، وكذا كل قضاء يختلف فيه الفقهاء من تحريم أو تحليل أو أخذ مال أو غيره – ينبغي للفقيه المقضي عليه الأخذ بقضاء القاضي ويدع رأيه ويلزم نفسه ما ألزمه القاضي ويأخذ ما أعطاه ...

وقال محمد: وكذلك رجل لا علم له ابتلي ببلية فسأل عنها الفقهاء فأتوه فيها بحلال أو بحرام، وقضى عليه قاضي المسلمين بخلاف ذلك وهو مما يختلف فيه الفقهاء، فينبغي أن يأخذ بقضاء القاضي، ويدع ما أفتاه الفقهاء.


(١) التفتازاني على ابن الحاجب ٢ / ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>