للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلفيق الممنوع

القول بجواز التلفيق ليس على إطلاقه وفي جميع صوره ولكنه مقيد في دائرة معينة.

فمنه ما هو باطل لذاته – كما إذا أدى إلى إحلال المحرمات كالخمر والزنى ونحوهما.

ومنه ما هو محظور لا لذاته بل لما يعرض له من العوارض وهو ثلاثة أنواع.

أولها: تتبع الرخص عمدًا، بأن يأخذ الإنسان من كل مذهب ما هو الأخف عليه بدون ضرورة ولا عذر، وهذا محظور سدا لذرائع الفساد بالانحلال من ربقة التكاليف الشرعية.

قال الغزالي: ليس لأحد أن يأخذ بمذهب المخالف بالتشهي.

وليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده (١) ويندرج تحت هذا النوع تتبع الرخص للتلهي والأخذ بالأقوال الضعيفة من كل مذهب اتباعًا للهوى واقتناصًا للملاذ.

الثاني: - التلفيق الذي يستلزم نقض حكم الحاكم لأن حكمه يمنع الخلاف درءا للفوضى.

الثالث: التلفيق الذي يستلزم الرجوع عن أمر مجمع عليه لازم لأمر قلده.

فلو قلد رجل أبا حنيفة في النكاح بلا ولي – دخل فيه صحة إيقاع الطلاق، لأنها لازمة لصحة النكاح إجماعًا.

فلو طلقها ثلاثًا ثم أراد تقليد الشافعي في عدم وقوع الطلاق لكون النكاح بلا ولي فليس له ذلك، لكونه رجوعا عن التقليد في اللازم الإجماعي، ومنع التلفيق المستلزم الرجوع عما عمل به تقليدًا أو في لازمه الإجماعي ضروري في نحو ما كان من هذا القبيل، إذ يحتاط في مسائل الفروج أكثر مما يحتاط في غيرها.

وكما لا يسوغ التلفيق المستلزم الرجوع عما عمل به تقليدًا أو لازمه الإجماعي في قضايا الفروج والأنساب كذلك لا يسوغ في كل ما يكون وسيلة وعبثا بالدين، أو ذريعة لمضرة البشر أو الفساد في الأرض.

وأما ما كان من قبيل العبادات والتكاليف التي لم يجعل الله تعالى بها حرجا على عباده – فلا يكون التلفيق فيها ممنوعًا ولو استلزم الرجوع المذكور لم يفض إلى الانحلال من ربقة التكاليف أو الذهاب بالحكمة الشرعية باقتراف الحيل التي تقلب الشريعة الإسلامية.

هذا: ومن الصور التي يمتنع فيها التلفيق هو ما تتبعه الشرنبلالي في رسالته حيث قال: إذا بقي من آثار الفعل السابق أثر يؤدي إلى تلفيق العمل بشيء مركب من مذهبين لقول المحقق الشهاب ابن حجر في (شرح المنهاج) : يتعين حمل ما قاله ابن الحاجب والآمدي على مابقي من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع الثاني تركه حقيقة لا يقول بها كل من الإمامين.


(١) الغزالي: المستصفى ٢ / ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>