للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورة المسألة: كتقليد الإمام الشافعي في مسح بعض الرأس، والإمام مالك رضي الله عنه في طهارة الكلب؛ في صلاة واحدة.

ومن تلك الصور: لو أفتى ببينونة زوجته في نحو تعليق، فنكح أختها، ثم أفتي بأنه لا بينونة، فأراد أن يرجع الأولى ويعرض عن الثانية من غير إبانتها.

ومن تلك الصور: إذا أخذ الشفعة بالجوار تقليدًا للإمام أبي حنيفة رحمه الله، ثم استحقت عليه فأراد أن يقلد الإمام الشافعي رحمه الله في تركها – فيمتنع فيهما؛ لأن كلا من الإمامين لا يقول به حينئذ (١) .

ومن تلك المسائل: ما جاء في شرح الرملي:

كأن أفتي لشخص ببيونة بطلاقها. ثم نكح بعد انقضاء عدتها أختها مقلدًا أبا حنيفة بطلاق المكره، ثم أفتاه شافعي بعدم الحنث.

الحكم: يمتنع عليه أن يطأ الأولى مقلدًا الشافعي، وأن يطأ الثانية مقلدًا لأبي حنيفة؛ لأن كلاً من الإمامين لا يقول به حينئذ. كما أوضح ذلك الرملي رحمه الله تعالى في فتاويه.

ثم خلص الشرنبلالي إلى القول: إن المراد بالمنع، المنع في خصوص العين، أو بقاء أثر من الفعل السابق يؤدي إلى ما يقول به كل من الإمامين وهو المعبر عنه بالتلفيق.

ثم قال: هكذا قد علمت به جواز التقليد بعد العمل في جنس ما عمل بخلافه.

وأضاف: ثم رأيت موافقة هذا في مؤلف للسيد الإمام الشريف علي السمهودي الشافعي سماه (العقد الفريد في أحكام التقليد) (٢) .

المختار: أن كل مسألة اتصل بها فلا مانع من اتباع غير مذهب الأول، وبه يعلم ما في حكاية إطلاق الاتفاق على المنع. ولعل المنع اتفاق الأصوليين.

التلفيق الجائز: هو ما كان عند الحاجة والضرورة، وليس من أجل العبث أو تتبع الأيسر والأسهل عمدًا بدون مصلحة شرعية، وهو مقصور على بعض أحكام العبادات والمعاملات الاجتهادية، لا القطعية..

وهكذا فإن الضابط في جواز التلفيق وعدم جوازه هو: أن كل ما أفضى إلى تقويض الشريعة ودعائمها والقضاء على سياستها وحكمتها فهو محظور، وخصوصًا الحيل.

وأن كل ما يؤيد دعائم الشريعة وما ترمي إليه حكمتها وسياستها لإسعاد الناس في الدارين بتيسير العبادات عليهم، وصيانة مصالحهم في المعاملات فهو جائز مطلوب (٣) .


(١) ومثله في التقرير ٣ / ٣٥٠ – ٣٥٢، والشرنبلالي في العقد الفريد – مجلة الفكر الإسلامي السنة التاسعة، العدد ١١ – ٣٦، تحقيق الباحث.
(٢) الشرنبلالي: العقد الفريد لبيان الراجح من الخلاف في جواز التقليد – مجلة الفكر الإسلامي، السنة التاسعة العدد ١١ / ٣٦.
(٣) الزحيلي: الأصول ٢ / ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>