للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الثاني

التلفيق وتتبع الرخص

١- الأسس التاريخية والفكرية لاتباع المذاهب

حتى يمكن تحليل قضية المذاهب في تاريخ التشريع الإسلامي جيدًا يجب التفريق بين العناوين الثلاثة الآتية: ١ – ظهور المذاهب وتكونها. ٢ – استقرار المذاهب (تقبل المجتمع لقانون المذهب) . ٣ – انتشار المذاهب في مناطق معينة وتمسك أهلها بها.

ليست هناك حاجة إلى دراسة العنوان الأول والثالث من هذه العناوين الثلاثة في بحثنا هذا. ويكفي أن نقول حول العنوان الأول ما يلي:

إن كل من عنده ذوق حقوقي (ملكة فقهية) يقبل أن القضاة أو الفقهاء (الحقوقيين) يمكن أن يسلكوا طرقًا مختلفة في استنباط الأحكام من مصدر يمكن فهمه على أوجه متباينة. من ناحية أخرى عند تذكرنا لحقيقة وجود وجهات نظر متباينة وهامة في تحديد مادة السنة التي هي المصدر الرئيسي الثاني للتشريع الإسلامي (وصول الحديث إلى يد عالم مع عدم وصوله إلى يد عالم آخر قبل تدوين السنة، وتصحيح عالم لحديث مع رد عالم آخر لصحة ذلك الحديث قبل تدوينها أو بعد تدوينها وبالتالي اعتبار الأول أن الموضوع منظم بالنص واعتبار الآخر أن هناك فراغًا تشريعيًّا في هذا الموضوع) وندرك بسهولة أن اختلاف الآراء يكتسب بعدًا جديدًا. أما فيما يتعلق بالعنوان الثالث فلن نقوم بعد العوامل التي ساعدت على انتشار المذاهب في المناطق المختلفة والمذكورة في كتب تاريخ التشريع الإسلامي (كحصول مذهب ما على دعم من الدولة في حقبة معينة من الزمن) .

حتى يمكن إيجاد الإجابة السليمة على سؤال " هل يلزم اتباع مذهب معين وهل يوجد محذور في الاستفادة من مذاهب متعددة "؟ يجب أن ندرس العنوان الثاني المذكور أعلاه أي أن نحاول تحديد الحاجة التي أدت إلى استقرار المذاهب. كما هو معلوم فإن المذاهب لم تكن موجودة في عهد الصحابة الكرام والتابعين. كان المرء المسلم إذا عرضت له مسألة يرجع إلى رأي عالم يثق فيه ويتصرف طبقًا لذلك. وكان القضاة يحلون المنازعات التي يواجهونها حسب اجتهاداتهم أو حسب اجتهاد من سيتبعون من المجتهدين الآخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>