للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هذا التصرف يعد متناسقًا (منسجمًا) من ناحية أساسه الفلسفي (بنظرة كلية) لكون مصادر الاجتهاد واحدة وكذلك الهدف من الاجتهاد واحد. أما عند النظر إلى جزئيات الموضوع، فليس من السهل اعتبار هذا العمل منسجمًا في نفسه، لأنه لا يؤمن الشخص بهذه الطريقة من أن يعمل في مسألة ما بقول مجتهد لا يجيز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، بينما يعمل في مسألة أخرى بقول مجتهد آخر يجيز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، كما لا يؤمن من أن يختار رأي مجتهد يعطي الحديث المشهور (وهو ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابي ثم تواترت في الطبقات المتلاحقة) قيمة إضافية من الناحية الأصولية في حين يختار رأي عالم آخر في مسألة أخرى يرى أن الحديث المشهور من أخبار الآحاد ويستفيد منه من الناحية الأصولية بهذا الاعتبار.

مع ذلك يمكن اعتماد الشخص على بعض المبادئ (كالضرورة والحاجة – وهما من مبادئ الفقه المتفق عليها) عند قيامه بجميع أحكام المذاهب المختلفة في حياته الدينية، يمكن عد ذلك الاعتماد ضمانًا يزيل الخوف من اختيار الآراء عشوائيًا دون رجوع إلى معايير سليمة.

أما طريقة الأمان الخاصة فهي اعتماد ما يرجحه الأشخاص أو المؤسسات – المتأهلة للترجيح – من الاجتهادات بناء على قوة دليله وملاءمته لظروف العصر. والغالب في مثل هذه الترجيحات بعدها عن التناقض الأصولي إذ الأغلب أنها تعتمد على مراجعة درجة الأحاديث من حيث الصحة وعدمها أو تعتمد على التفسيرات المتنوعة للعلماء أو أنها عبارة عن تقويم لبعض الآراء المختلفة المتعلقة بالمصلحة من حيث مراعاتها للظروف الراهنة.

يمكن القول بأن هذه الطريقة الثانية هي أسلم الطرق للعوام لأنها تحقق لهم استدامة حياتهم الدينية دون السقوط في تناقضات، كما أن المضي في هذا الطريق بمتابعة النشرات التي يذكر فيها أدلة الرأي الراجح مع مناقشة الآراء الأخرى مما يساعد الشخص على تنمية ثقافته الفقهية وهذا يؤدي بالطبع إلى رفع مستوى الأمة الثقافي.

ومن الواضح أنه يقع على عاتق المؤسسات الإسلامية من أمثال مجمع الفقه الإسلامي مسؤوليات كبيرة في مجال إنارة العقول المسلمة وبيان الترجيحات الفقهية التي سيتبعونها عن ثقة واطمئنان.

وبتناول الآراء المتعلقة بمسألة التزام مذهب معين ثم بمسألة التلفيق باختصار انطلاقًا من هذه التحليلات نختم بحثنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>