للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- التزام مذهب معين (١)

قبل دراسة قضية التلفيق يجب تناول آراء العلماء حول مسألة التزام مذهب معين لكونها ذات صلة وثيقة بموضوع التلفيق.

بعد الإشارة مقدمًا إلى مجال الحديث هنا هو حال المكلف الذي ليس من أهل الاجتهاد، علينا أن نبين أننا نسعى للإجابة على سؤال " هل يجب على الشخص الالتزام بمذهب معين في المسائل الشرعية العملية؟ " وقد سبقت الإشارة إلى الأسس الفكرية والتاريخية التي أوجدت الحاجة إلى اتباع مذهب معين على ساحة الأفراد أو الدول. ولكننا نشاهد بعد أن وصلت أتباع المذاهب إلى درجة التعصب لها، ظهور آراء يقول أصحابها بوجوب الالتزام بمذهب معين، بل وجوب الاستمرار على هذا المذهب (حتى فوج منهم يقول بوجوب تعزير من يفارق مذهبه إلى مذهب آخر) . وفي المقابل نرى العلماء المحققين يسعون إلى إثبات فقدان دليل شرعي يوجب على من ليس من أهل الاجتهاد، التزام مذهب من المذاهب بصفة مستمرة، بل قرر هؤلاء العلماء بأن الواجب على مثل هذا الشخص سؤال من يراه أهلاً للسؤال من العلماء والتعلم منهم ومن ثم التصرف حسب أقوالهم.

٣- التلفيق

التلفيق لغة: هو خيط طرفي الثوب بضم أحدهما على الآخر. وانطلاقًا من هذا المعنى استعملت هذه الكلمة في علمي الفقه والأصول بمعنى الجمع بين الأحكام المختلفة. علاوة على هذه النقطة المتفق عليها، تجدر الإشارة إلى أن كلمة " التلفيق " يتم استعمالها في كتب الفقه والأصول في ثلاثة معان:

١- في كتب الفقه نرى أحيانا استعمال كلمة التلفيق بمعنى الجمع بين حكمين مختلفين لا ينبثق الاختلاف من الخلافات الاجتهادية. فمثلاً يقصد هذا المعنى إذا قيل: " لا يجوز في كفارة اليمين إطعام بعض الفقراء وكسوة البعض الآخر ".

٢- وقد تطلق كلمة " التلفيق " في كتب أصول الفقه على إبداء رأي جديد في المسألة لم يقل به أحد من المجتهدين السابقين والذي يتعارض مع النقطة المشتركة للاجتهادات السابقة في تلك المسألة. ومن الواضح أن هذه القضية التي يتم تناولها غالبًا في مبحث الإجماع تحت عنوان " إحداث قول ثالث " لا تتعلق بالتقليد بل تتعلق بالاجتهاد، ويمكن تسميتها بـ " التلفيق في الاجتهاد ".

٣- وتستعمل كلمة التلفيق غالبًا في كتب الفقه والأصول بالمعنى التالي:

- العمل بالآراء الاجتهادية المتعددة مجتمعة في مسألة معينة (أو كالمجتمعة في حالة العمل برأي قبل زوال " تأثير " الآخر) بصورة مركبة لا يقول بها أي واحد من المجتهدين هؤلاء. وهذا هو المعنى الأخص للتلفيق، ويمكن تسميته بـ " التلفيق في التقليد ".


(١) انظر في هذا الموضوع وفي موضوع التلفيق: - الدهلوي، الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، مصر ١٣٧٢. - محمد بن عبد العظيم المكي، القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، مصر ١٤١٢هـ – ١٩٩٢م. - محمد أحمد فرج السنهوري، التلفيق بين أحكام المذاهب، مجلة البحوث. - الاجتهاد في الفقه الإسلامي) KARAMAN (Hayreddin) , Islam Hukukun-da Ictihad, Ankara ١٩٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>