للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد بدأت المناقشة حول هذه المسألة منذ القرن السابع الهجري وتعددت الآراء حولها، فهناك من يرى عدم جوازه مطلقًا وفي مقابل ذلك ذهب بعض العلماء إلى جواز هذه الفعلة. مع ذلك نجد أن العلماء المحققين وأخص بالذكر الباحثين المعاصرين يشترطون لجواز العمل بالتلفيق مراعاة بعض القيود التي يمكن تلخيصها كما يلي:

(١) وجود الحاجة إلى التلفيق.

(٢) عدم تعريض الحياة الدينية لتحكم الأهواء بتتبع الرخص دائمًا.

(٣) عدم الاستخدام من هذه الطريقة بغرض التحايل على القانون.

(٤) مراعاة الاحتياط في مسائل الحلال والحرام.

٤- تقويم حول التلفيق وتتبع الرخص:

إن التلفيق بمعناه الأعم يعني الاستفادة من أحكام المذاهب المختلفة وبالتالي اختيار ما هو أيسر على الشخص من اجتهادات المذاهب الفقهية أيضًا.

وإذا قيل بتجويز التلفيق معناه الأخص (بمعنى جمع اجتهادات مختلفة في مسألة واحدة بصورة مركبة لا يقرها أحد من أصحاب هذه الاجتهادات) فيكون من مقتضى الأولوية القول بتجويز هذا الأمر (أي الاستفادة من آراء المذاهب المختلفة دون إحداث حالة مركبة) ضمن الشروط المذكورة للتلفيق بمعناه الأخص.

ولكن ينبغي التنبه إلى أن احتمال عدم مراعاة الشرط المذكور في الفقرة "٢" قوي جدًا. لأن العامل الموجه للشخص عند اختياره الأحكام السهلة من المذاهب المختلفة هو ميل النفس إلى الأسهل في غالب الأحيان. ولا يتم تحقيق الهدف المنشود من مبدأ التيسير في الشريعة الإسلامية إلا باستعمال هذا المبدأ موافقًا للمقاصد الكامنة وراءه (مطابقًا لما يراد الإشارة إليه بقاعدة " إذا ضاق الأمر اتسع") . أما استعمال هذا المبدأ وفق الأهواء والشهوات فيؤدي إلى إبعاده عن هدفه الأساسي، وبذلك تتحكم الرغبات والميول النفسية في الحياة الدينية.

كما ذكرنا عند بياننا الأسس التاريخية والفكرية لاتباع المذاهب إن الموضوع الذي يتحدث حوله هنا ليس مسألة الأحكام التي يستفاد منها في حل الاختلافات القضائية (القانون والتقنين) بل موضوع حديثنا هو القواعد التي لها مؤيدات أخروية فقط والتي يتبعها المسلم لينال سعادة الدنيا والآخرة، أي – باختصار – مسألة تنظيم الحياة الدينية.

ومن هذه الحالة يمكن أن نقول بأنه يجب على الشخص الاهتمام بفكرة (مبدأ) التناسق، والعلم بأنه سيخدع نفسه في الحقيقة عند عدم تقيده بالشروط الموضوعة للتلفيق، وكذلك التصرف كفقيه نفسه عند قيامه بترجيح بين العزيمة أو الرخصة كما ذكر ذلك الإمام الشاطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>