للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- أنواع الرخص:

لما كانت الرخص مبنية على أعذار العباد، وأعذارهم مختلفة؛ اختلفت أنواع الرخص فانقسمت بالاستقراء لأنواع أربعة:

الأول: إباحة الفعل المحظور عند الضرورة أو الحاجة، كإباحة التلفظ بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان إذا أكره المؤمن على ذلك. لقول الله تعالى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] .

والعمل بالعزيمة في هذه الحالة أولى من العمل بالرخصة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأسيرين اللذين أخذهما مسيلمة الكذاب (١) : ((أما الأول فقد أخذ برخصة الله، وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئًا له)) .

ومن هذا أيضًا: إباحة أكل الميتة عند الضرورة لدفع المخمصة لقول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] .

وقد اختلف الفقهاء في حكم الميتة والخمر والخنزير ونحوها في حالة الاضطرار أنها تصير مباحة أو تبقى على الحرمة ويرتفع الإثم.

فذهب بعضهم إلى أنها لا تحل ولكن يرخص الفعل في حالة الاضطرار إبقاء للمهجة كما في الإكراه على الكفر وأكل مال الغير. وهو رواية عن أبي يوسف وأحد قولي الشافعي. وذهب أكثر الأصوليين من الحنفية إلى أن الحرمة ترفع في هذه الحالة ويصير الأكل مباحًا (٢) .

الثاني: إباحة ترك الواجب وتأخير أدائه عن وقته، كإباحة الفطر في رمضان لمن كان مسافرًا أو مريضًا.

والعمل بالعزيمة في هذا النوع أولى. إلا أن يؤدي العمل بها إلى الضرر فيكون الأخذ بالرخصة أولى (٣) .

والإباحة المذكورة في هذين النوعين لا يراد بها الإباحة الاصطلاحية، بل يراد بها رفع الحرج وتجويز الفعل – أعم من أن يكون بطريق التساوي بين الفعل والترك أو بدونه، فيشمل الإباحة الاصطلاحية والوجوب والندب بطريق الرجوع إلى عزيمة أصلية لا إلى الرخصة بعينها (٤) .

وقد بين الإسنوي وجه الشمول فقال: " الرخصة واجبة ومندوبة ومباحة ".


(١) كشف الأسرار على البزدوي ٢ / ٣١٦، والقرطبي: ١٠ / ١٨٩ من رواية الحسن البصري مرسلاً.
(٢) كشف الأسرار على البزدوي: ٢ / ٣٢٢.
(٣) كشف الأسرار: ٢ / ٣٠. والتلويح: ٢ / ١٢٨.
(٤) الموافقات للشاطبي: ١ / ٣٠٧ – ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>