للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالواجبة كأكل الميتة للمضطر على الصحيح المشهور في مذهبنا (الشافعي) .

والمندوبة فكالقصر للمسافر بشرطه المعروف.

وأما المباح فالصواب تمثيله بالسلم والعرايا والإجارة والمساقاة وشبه ذلك من العقود فإنها رخصة بلا نزاع، لأن السلم والإجارة عقدان على معدوم مجهول، والعرايا بيع الرطب بالتمر فجوزت للحاجة إليها، فهي مباحة لا طلب في فعلها ولا في تركها (١) .

الثالث: تصحيح بعض العقود والتصرفات بطريق الاستثناء من أصل كلي يقتضي المنع. كما في السلم. فبالرغم من أنه بيع لما ليس عند الإنسان الذي ورد النهي عنه بقوله عليه السلام: ((ولا يحل بيع ما ليس عندك)) (٢) فقد ورد الترخيص فيه استثناء من القاعدة العامة في البيوع لحاجة الناس إلى هذا النوع من العقود.

وهذا النوع عدة الحنفية مما يطلق عليه اسم الرخصة مجازًا وهو إلى حقيقة الرخصة أقرب (٣) .

الرابع: إطلاق الرخصة على ما وضع عن أمتنا من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة التي كانت مشروعة على الأمم السالفة.

وهذا الإطلاق مجازي وهذا النوع بعيد عن حقيقة الرخصة الاصطلاحية (٤) . وفيه يقول البزدوي: " وأما أتم نوعي المجاز فما وضع عنا من الإصر والأغلال. فإن ذلك يسمى رخصة مجازًا. لأن الأصل ساقط لم يبق مشروعًا فلم يكن رخصة إلا مجازًا من حيث هو نسخ تمحض تخفيفًا " (٥) .

وقد قسم بعض الأصوليين من الحنفية الرخصة إلى قسمين: رخصة ترفيه ورخصة إسقاط. وفرقوا بينهما بأن رخصة الترفيه يكون حكم العزيمة فيها باقيًا ودليله قائمًا. مثل الفطر في رمضان بسبب السفر والتلفظ بعبارات الردة بسبب الإكراه.

أما رخصة الإسقاط فلا يكون حكم العزيمة معها باقيًا. بل إن الحال التي اقتضت الترخيص أسقطت حكم العزيمة وجعلت الحكم المشروع فيها هو الرخصة فقط. مثل قصر الصلاة في السفر. إذ المسافر سقطت عنه الأربع. ولو صلاها كانت الركعتان الأخيرتان نافلة (٦) .


(١) شرحه على منهاج البيضاوي: ١ / ٧١ – ٧٢. وجمع الجوامع: ١ / ١٢١.
(٢) جزء من حديث أصحاب السنن وصححه الترمذي. راجع الموافقات: ١ / ٣٠٤.
(٣) البزدوي: ٣ / ٣٢١.
(٤) المستصفى: ١ / ٩٨.
(٥) أصوله مع كشف الأسرار: ٢ / ٣٢٠. والموافقات ١٠ / ٣٠٤.
(٦) كشف الأسرار: ٢ / ٣٢٢ – ٣٢٥. والتلويح: ٢ / ١٢٩ – ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>