للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كنا في عرضنا لتقسيمات الرخصة عرضًا أوليًّا تختفي معه الاختلافات فإن هذا لا يعني أن المسألة اتفاقية وأن الخلاف معدوم؛ إذ قضية كهذه، للاصطلاح فيها دخل، وللمنهجية والذوق فيها اعتبار: لا يمكن إلا أن تكون محل خلاف وتفاوت.

وقد وجدنا الأصوليين تتفاوت طريقتهم في قضية تقسيم الرخصة وبيان أنواعها. وحسبي أن أستوفي طرائق أربعة منهم هم: البزدوي، والغزالي، والبيضاوي، والشاطبي.

فالبزدوي يرى أن الرخص أربعة:

نوعان من الحقيقة أحدهما أحق من الآخر.

ونوعان من المجاز أحدهما أتم من الآخر.

١- أما أحق نوعي الحقيقة فما استبيح مع قيام المحرم وقيام حكمه جميعًا. فهو الكامل في الرخصة مثل المكره على إجراء كلمة الكفر أنه يرخص له إجراؤها والعزيمة في الصبر. وكذلك الذي يأمر بالمعروف إذا خاف القتل.

٢- وأما الثاني فما يستباح بعذر مع قيام السبب موجبًا لحكمه غير أن الحكم متراخ. مثل المسافر رخص له أن يفطر بناء على سبب تراخي حكمه.

٣- وأما أتم نوعي المجاز فما وضع عنا من الإصر والأغلال، فإن ذلك يسمى رخصة مجازًا لأن الأصل ساقط لم يبق مشروعًا فلم يكن رخصة إلا مجازًا من حيث هو نسخ تمحض تخفيفًا.

٤- وأما القسم الرابع فما سقط عن العباد مع كونه مشروعًا في الجملة. فمن حيث سقط أصلاً كان مجازًا. ومن حيث بقي مشروعًا في الجملة كان شبيهًا بحقيقة الرخصة (١) . ومثل له برخصة السلم.

والغزالي يرى أن الرخصة تطلق حقيقة ومجازًا.

١- فالحقيقة في الرتبة العليا كإباحة النطق بكلمة الكفر بسبب الإكراه.

٢- وأما المجاز البعيد عن الحقيقة فتسمية ما حط عنا من الإصر والأغلال التي وجبت على من قبلنا في الملل المنسوخة رخصة.

٣- ويتردد بين هاتين الدرجتين صور بعضها أقرب إلى الحقيقة وبعضها أقرب إلى المجاز (٢) . وذكر منها القصر والفطر في حق المسافر.

والبيضاوي يرى أن الرخصة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: واجبة. ومندوبة، ومباحة. فالواجبة كأكل الميتة للمضطر. وأما المندوبة فكالقصر للمسافر بشرطه. وأما المباحة فكالفطر للمسافر. وعقب الإسنوي على التمثيل للمباح فقال: والصواب تمثيله بالسلم والعرايا (٣) .


(١) أصوله مع كشف الأسرار: ٢ / ٣١٥ – ٣٢٢.
(٢) المستصفى: ١ / ٩٨.
(٣) الإسنوي على المنهاج: ١ / ٧١ – ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>