للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاطبي يرى أن الرخصة تطلق بإطلاقات أربعة:

الأول: ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه.

الثاني: ما استثني من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا من غير اعتبار بكونه لعذر شاق.

الثالث: ما وضع عن هذه الأمة من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة.

الرابع: ما كان من المشروعات توسعة على العباد مطلقًا مما هو راجع إلى نيل حظوظهم وقضاء أوطارهم. فإن العزيمة الأولى هي التي نبه عليها قول الله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] فإذا وهب لهم حظًا ينالونه فذلك كالرخصة لهم لأنه توجه إلى غير المعبود، واعتناء بغير ما اقتضته العبودية (١) .

ولعل الفرق بين هذه التقسيمات يعود إلى أسباب مصلحية رآها المجتهدون في آحاد المسائل وأحكام النوازل (٢) ، واعتبارات فنية في التبويب ومنهجيته.

٣- ضوابط الأخذ بالرخصة:

تكمن هذه الضوابط في ثبوت دليل الرخصة وقيام أسبابها وعللها مع التثبت من تحقق دواعيها أعم من أن تكون هذه الدواعي ضرورة أو حاجة أو ترفيها.

ومن هذا السلم مثلاً. فإنه رخصة تستند إلى دليل من السنة بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) (٣) . في مقابل النهي عن بيع ما ليس عند البائع الوارد في حديث حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله، يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق؛ فقال: ((لا تبع ما ليس عندك)) (٤) .

وما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) (٥) .

ومثل هذه الرخص المنصوص عليها بأعيانها يقاس عليها عند أغلب القائلين بالقياس. فقد قاسوا صحة بيع العنب بالزبيب على بيع العرايا المرخص بها في الحديث. ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن يشترى بخرصها يأكلها أهلها رطبًا)) (٦) .


(١) الموافقات: ١ / ٣٠١ – ٣٠٥.
(٢) المستصفى: ١ / ٩٩.
(٣) حديث صحيح. رواه الجماعة.
(٤) حديث صحيح. رواه الجماعة.
(٥) صححه النسائي وابن ماجه. انظر نيل الأوطار: ٥ / ٢٥٢.
(٦) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>