للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنع بعض الحنفية القياس على الرخص بأنها منح من الله تعالى فلا تتعدى فيها مواردها (١) .

والراجح جواز القياس إذا وجدت أركانه وشرائطه بأن الأدلة الدالة على حجية القياس غير مختصة بنوع من الأحكام دون نوع (٢) .

على أن الخلاف في حقيقة الأمر يعود إلى التسمية والتلقيب، حيث أجرى هؤلاء الحنفية القياس فيما يسميه الجمهور رخصة، وقالوا: هذا ليس من القياس، وإنما من باب ما في معنى الأصل (٣) .

ومن ضوابط العمل بالرخصة أن لا يكون الحرج الداعي لها ناتج عن معصية فإن الرخصة نعمة وتيسير، والنعمة لا تناط بالمعصية.

ومن أجل هذا الضابط اختلف الفقهاء في تناول المحرمات للضرورة وقصر الصلاة وفي الرخص بالفطر في سفر المعصية.

فذهب الحنابلة والشافعية وغيرهم إلى اعتبار هذا الضابط: قال ابن قدامة ليس للمضطر في سفر المعصية الأكل من الميتة كقاطع الطريق. وقال سعيد بن جبير: إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له. فإن تاب وأقلع عن معصيته حل له الأكل (٤) .

ويقول ابن حزم: "ومن كان في سبيل معصية كسفر لا يحل أو قتال لا يحل فلم يجد شيئًا يأكله إلا الميتة لم يحل له أكله حتى يتوب" (٥) .

ويقول ابن قدامة في أبواب القصر: ولا تباح هذه الرخص في سفر المعصية. نص عليه أحمد. وهذا قول الشافعي (٦) .

والمالكية والحنفية لم يفرقوا بين سفر المعصية وغيره. وخالف ابن حزم مسلكه – الذي قدمناه في قصر الصلاة للعاصي بسفره؛ إذ القصر عنده واجب – ونص على أنه يقصر المسافر ولو كان لمعصية (٧) وذهب إلى فرض الفطر في السفر طاعة أو معصية (٨) .

والراجح اشتراط أن لا يكون في معصية. لأن الله سبحانه قال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] .


(١) الإسنوي على المنهاج: ٣ / ٣٥.
(٢) الإسنوي على المنهاج: ٣ / ٣٤.
(٣) الإسنوي على المنهاج: ٣ / ٣٥.
(٤) المغني: ٩ / ٤١٤.
(٥) المحلى: ٨ / ٣٣١.
(٦) المغني: ٢ / ٢١٦.
(٧) المحلى: ٤/ ٢٦٤.
(٨) المحلى: ٦ / ٢٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>