للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الضوابط أن لا يتوسع فيما يستند من تناول المحظور إلى الضرورة لأن الضرورة تقدر بقدرها (١) .

فذهب الحنفية والحنابلة وأكثر الشافعية وبعض المالكية إلى عدم إباحة ما زاد على ما تدعو إليه الحاجة ويسد به الرمق ويندفع الهلاك.

وذهب جمهور المالكية ورواية عند الحنابلة إلى إباحة التناول إلى الشبع.

يقول ابن قدامة: وفي الشبع روايتان: أظهرهما لا يباح وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وأحد القولين للشافعي ... لأنه بعد سد الرمق غير مضطر. والثانية يباح له الشبع ... ويحتمل أن يفرق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال (٢) .

وهناك ضابط انفرد الشاطبي بالتصريح به وهو طمأنينة نفس المترخص للعمل بالرخصة. فقال: إن الرخصة إضافية لا أصلية، بمعنى أن كل أحد في الأخذ بها فقيه نفسه ما لم يوجد فيها حد شرعي فيوقف عنده (٣) .

ويوضح الشاطبي مقصده بأن " المشاق تختلف بالقوة والضعف وبحسب الأحوال، وبحسب قوة العزائم وضعفها. وبحسب الأمان وبحسب الأعمال ...

ولذلك أقام الشرع في جملة منها (الرخص) السبب مقام العلة (ويقصد بالعلة الحكمة) فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان وجود المشقة. وترك كل مكلف على ما يجد. وترك كثيرًا منها موكولاً إلى الاجتهاد ...

فإذًا ليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصلي ولا ضابط مأخوذ باليد، بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه. فمن كان من المضطرين معتادًا للصبر على الجوع ولا تختل حاله بسببه كما كانت العرب وكما ذكر عن الأولياء، فليست إباحة الميتة له على وزان من كان بخلاف ذلك " (٤) .

وهذا الذي رآه الشاطبي دقيق وسديد حيث أناط الأخذ بالرخصة وترك العزيمة إلى فقه الآخذ وطمأنينة قلبه وذمته ودينه.

وكأن الشاطبي في هذا الذي انفرد به إنما يأخذ مذهبه من فقه الحديث النبوي عن وابصة بن معبد قال: ((جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله عن البر والإثم فقال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ فقلت والذي بعثك بالحق ما جئت أسألك عن غيره، فقال: البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس)) (٥) .


(١) الأشباه والنظائر للسيوطي: ٨٤.
(٢) المغني: ٤١٢ – ٤١٣ والبجيرمي على المنهج ٤ / ٣٠٧، والدسوقي: ٢ / ١١٥، وتفسير القرطبي: ٢ / ٢١٠، والإباحة عند الأصوليين للأستاذ سلام مدكور: ٣٥٠.
(٣) الموافقات: ١ / ٣١٤.
(٤) الموافقات: ١ / ٣١٥.
(٥) مسند الإمام أحمد: ٤ / ١٩٤ و ٢٢٤. وسنن الدارمي: ٢ / ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>