للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- تتبع الرخص:

لم يختلف الفقهاء والأصوليون في جواز تتبع الرخص الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة إذا تحققت دواعيها:

لعمومات قول الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] .

وقول الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] .

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) (١) .

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حديث ابن عباس: ((إن الله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه)) (٢) .

لكنهم اختلفوا في تتبع رخص المذاهب الاجتهادية وما يتصل بها من استحسانات وحيل شرعية جلبًا لليسر ودفعًا للعسر عن المكلفين.

فذهب بعضهم إلى الجواز، وبعضهم إلى المنع، وبعضهم إلى الجواز بشروط.

أ- مذهب جواز الرخص:

ذهب بعض الحنفية إلى جواز اتباع رخص المذاهب. لعدم وجود مانع شرعي يمنع منه، ولأن الإنسان له أن يسلك المسلك الأخف عليه إن كان له إليه سبيل. يقول ابن أمير الحاج: إن مثل هذه التشديدات التي ذكروها في المنتقل من مذهب إلى مذهب إلزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص وإلا فأخذ العامي بكل مسألة بقول مجتهد يكون قوله أخف عليه لا أدري ما يمنع منه عقلاً وشرعًا (٣) .

وإلى الجواز ذهب العز بن عبد السلام من الشافعية. فهو يقول: لا يتعين على العامي إذا قلد إمامًا في مسألة أن يقلده في سائر مسائل الخلاف لأن الناس من لدن الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب يسألون فيما يسنح لهم العلماء المختلفين من غير نكير، سواء اتبع الرخص في ذلك أو العزائم (٤) .

ب – مذهب منع تتبع الرخص:

ذهب جمهور الفقهاء إلى منع تتبع الرخص في المذاهب. يقول الإمام الغزالي: إن العامي ليس له أن ينتقي من المذاهب من كل مسألة أطيبها عنده (٥) .

ويرى ابن السبكي أنه: " يمتنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل ". وحكى الجلال المحلي الخلاف في تنسيق هذا المتتبع (٦) .

ويقول الشوكاني: "أما لو اختار المقلد من كل مذهب ما هو الأهون عليه والأخف له فقال أبو إسحاق المروزي: يفسق، وقال ابن أبي هريرة: لا يفسق لأنه متأول " (٧) .


(١) أخرجه البخاري. انظر الفتح ١ / ٩٣ سلفه.
(٢) معجم الطبراني: ١١/ ٢٥٥ ط ثانية والحديث حسنه المنذري في الترغيب ووثق رجاله صاحب مجمع الزوائد.
(٣) العطار على جمع الجوامع: ٢ / ٤٤٢.
(٤) العطار على جمع الجوامع: ٢ / ٤٤٢.
(٥) المستصفى: ٢ / ٣٩١.
(٦) جمع الجوامع مع حاشية العطار: ٢ / ٤٤١.
(٧) إرشاد الفحول ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>