للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزاد الإمام ابن تيمية الأمر توضيحًا بأن جعل أصل الانتقال من حكم اجتهادي إلى آخر يعود إلى أن العامي هل عليه أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ بعزائمه ورخصه؟ وحكى الأوجه في المسألة عند الأئمة المجتهدين. ثم قال بعد ذلك: " لا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل أن يلتزم مذهبًا لحصول غرض دنيوي ... فهذا مما لا يحمد عليه، بل يذم عليه في نفس الأمر، ولو كان ما انتقل إليه خيرًا مما انتقل عنه. وهو بمنزلة من لا يسلم إلا لغرض دنيوي. وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني مثل إن تبين رجحان قول على قول فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله: فهو مثاب على ذلك " (١) .

وعلى العموم فإن قضية الانتقال من مذهب إلى مذهب مسألة هي ذاتها موضع خلاف الفقهاء.

والرأي الراجح أن العامي إذا عمل بقول مجتهد في حادثة فليس له الرجوع عنه في مثلها لأنه قد التزم ذلك القول بالعمل به بخلاف ما إذا لم يعمل به.

وقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء، وقيل يلزمه بالشروع بالعمل، وقيل يلزمه إن وقع في نفسه صحته بأن ينشرح له صدره وأن لا يكون قاصدًا للتلاعب وقيل لا يجب عليه التزام مذهب معين فله أن يأخذ فيما يقع له بهذا المذهب تارة وبغيره أخرى (٢) .

٥- التلفيق ورأي الفقهاء والأصوليين فيه:

بحث الأصوليون مسألة التلفيق في نطاق بحثهم لقضية التقليد والانتقال من مذهب إلى آخر.

فذهب الشيخ عبد القادر الورديفي المغربي إلى " أن الانتقال من مذهب إلى آخر جار في سائر الأمصار وفيما تقدم من الأعصار إلا فيما قل من الأقطار. وحكمه الجواز ولا قائل بمنعه إلا جاهل أو متعصب " (٣) .

وذكر أن الأصوليين اختلفوا في تركيب مسألة من مذهبين أو أكثر. ورأى " أن الصحيح من جهة النظر جوازه. فمن ذلك ما ذكره الشعبي عن أصبغ من أن جميع ما يضطر الناس إليه ولا يجدون منه بدًّا ولا محيدًا – مثل حارس الزرع يستأجر من يحرسه بجزه منه ولا يجد من يحرس له إلا بذلك الوجه – فأرجو أن لا يكون به بأس (٤) .


(١) الفتاوى: ٢٠ / ٢٢٢.
(٢) راجع الفتاوى: ٢٠ / ٢٢٠. والعطار على جمع الجوامع: ٢ / ٤٣٩ و ٤٤٢. والموافقات: ٤ / ١٤٤ وإرشاد الفحول: ٢٥٣.
(٣) انظر سعد الشموس والأقمار ص ٢٥٨.
(٤) انظر سعد الشموس والأقمار ص ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>