للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونسب الخلاف في التلفيق إلى أصل مذهب الإمام مالك. وبين المقصود به نقلاً عن ابن عرفة، ونصه: إعمال دليل الخصم في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر (الضمير في مدلوله يعود على الدليل، والضمير في نقيضه يعود على المدلول) .

وذلك كالعقد الباطل يحكم له بحكم الصحيح بعد الفوات. ومثاله: الإمام مالك يقول بفساد نكاح المرأة نفسها للحديث ((أيما امرأة نكحت ... )) وقال الإمام أبو حنيفة يجوز قياسًا على البيع. فأعمل مالك دليله في الحياة وهو الفسخ متى غير عليه الحاكم.

وأعمل دليل أبي حنيفة في لازم مدلوله بعد الممات فأوجب توارثهما. أو مثاله: إعمال الإمام مالك دليل مخالفه الإمام أبي حنيفة رحمهما الله القائل بعدم فسخ صريح الشغار في لازم مدلوله، ومدلوله عدم فسخه، ولازمه ثبوت الإرث بين الزوجين، وهذا المدلول، وهو عدم الفسخ، عمل في نقيضه دليل آخر وهو دليل فسخه.

فمالك يرى فسخه مطلقًا، وإن حدث موت أو كان ولد فإن الولد يلحق بأبيه ويثبت الإرث بين الزوجين ويفسخه بطلاق (١) .

ويخلص الشيخ المغربي إلى القول: فتحصل مما ذكر أن التلفيق موجود بشروطه وهو الانتقال من عزيمة إلى ما هو أعزم منها، أو مصلحة دينية دنيوية إلى ما هو أصلح منها أو إلى رخصة بشروطها. وما عدا ذلك كله مروق من الدين من شر الأنفس والأهواء والشياطين الملحدين (٢) .

وفسر العطار التلفيق في التقليد بالتلفيق في أجزاء الحكم. ومثل له بالمتوضئ يمسح بعض الرأس اتباعًا لمذهب الإمام الشافعي، ثم يصلي بعد لمس مجرد من الشهوة اتباعا لمذهب الإمام مالك. ففي هذا تلفيق في أجزاء حكم واحد وهو صحة صلاته التي أداها بهذا الوضوء وهذا غير جائز. أما تتبع الأحكام الاجتهادية في جزئيات المسائل فإنه جائز (٣) .

ويتبين من نص ابن عابدين وتمثيله أنه يريد بالتلفيق في التقليد التلفيق في أجزاء الحكم. إذ قال: وإن الحكم الملفق باطل بالإجماع. مثاله " متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى، فإن صحة صلاته ملفقة من المذهب الشافعي والحنفي، والتلفيق باطل فصحته منتفية " (٤) .


(١) انظر سعد الشموس والأقمار ص ٢٥٩ – ٢٦٠.
(٢) انظر سعد الشموس والأقمار ص ٢٦٤.
(٣) حاشية العطار على جمع الجوامع: ٢ / ٤٤٢.
(٤) رد المحتار على الدر المختار ١ / ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>