للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما تتبع المذاهب في جزئيات المسائل فإن ابن عابدين لا يرى وجود مانع منه فهو يقول: أما لو صلى يومًا على مذهب وأراد أن يصلي يومًا آخر على غيره لا يمنع منه. فيحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدًا فيه غير إمامه مستجمعًا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر، لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض " (١) .

بل إن ابن عابدين ذهب إلى أبعد من هذا في أمر الانتقال من مذهب إلى مذهب فأجازه بعد العمل إذا لم يؤد إلى نقضه. كما إذا صلى ظانًّا صحتها على مذهبه. ثم تبين بطلانها في مذهبه وصحتها على مذهب غيره، فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلاة (٢) . ونسب إلى الشرنبلالي قوله: " لو أفتى مفت بشيء من هذه الأقوال الضعيفة في المذهب في مواضع الضرورة طلبًا لليسر كان حسنًا ".

ونسب ابن أمير حاج إلى الروياني القول بجواز تقليد المذاهب والانتقال إليها بشرط أن لا يجمع بينها على صورة تخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد. ووافق ابن دقيق العيد الروياني في هذا الاشتراط (٣) .

والآمدي اختار أن الشخص إذا حدثت له حادثة وأراد الاستفتاء عن حكمها فهو مخير في سؤال من شاء من العلماء سواء تساووا أو تفاضلوا (٤) .

وعرض الآمدي قضية من اتبع بعض المجتهدين في حكم حادثة وعمل بقوله فيها، فهل له اتباع غير ذلك المجتهد في حكم آخر.

فحكى الخلاف في هذا. ورأى أن الحق جوازه نظرًا إلى ما وقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة، وأنه لم ينقل عن أحد من السلف الحجر على العامة في ذلك، ولو كان ذلك ممتنعًا لما جاز من الصحابة إهماله أو السكوت عن الإنكار عليه. ولأن كل مسألة لها حكم نفسها (٥) .

أما إذا عين الشخص مذهبًا معينًا وقال أنا على مذهبه وملتزم به، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟ فإن الآمدي ذكر فيها الخلاف فقال: جوزه قوم نظرًا إلى أن التزامه لمذهب معين غير ملزم له. ومنع من ذلك آخرون لأنه بالتزامه المذهب صار لازمًا له. والمختار إنما هو التفصيل: وهو أن كل مسألة من مذهب الأول اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير فيها. وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره فيها (٦) .


(١) رد المحتار: ١/ ٧٧.
(٢) رد المحتار: ١ / ٧٨.
(٣) التقرير والتحبير: ٣ / ٣٥٢.
(٤) الأحكام: ٤ / ٣١٦ – ٣١٨.
(٥) الأحكام: ٤ / ٣١٨.
(٦) الأحكام: ٤ / ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>