للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال النووي:

المسألة السابعة في بيان أقسام الرخص، وهي ثلاثة أقسام: أحدها رخصة يجب فعلها كمن غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرًا، يجب إساغتها بها، وكالمضطر إلى أكل الميتة وغيرها من النجاسات يلزمه أكلها على الصحيح الذي قطع به الجمهور، وقال بعض أصحابنا: يجوز ولا يجب. الثاني: رخصة مستحبة كقصر الصلاة في السفر، والفطر لمن شق عليه الصوم، وكذا الإبراد من شدة الحر على الأصح. الثالث: رخصة تركها أفضل من فعلها كمسح الخف والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن مثله، والفطر لمن لا يتضرر بالصوم – وعد أبو سعيد المتولى والغزالي في البسيط من هذا القسم الجمع بين الصلاتين في السفر ونقل الغزالي الاتفاق على أن ترك الجمع أفضل بخلاف القصر (١) .

والقاضي البيضاوي رحمه الله اختار التقسيم الثلاثي كما يظهر من عبارته فإنه قال:

السادس: الحكم إن يثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة كحل الميتة للمضطر والقصر والفطر للمسافر واجبًا ومندوبًا ومباحًا وإلا فعزيمة (٢) .

الإمام النووي والقاضي البيضاوي مع اتفاقهما على التقسيم الثلاثي اختلفا في أنواع التقسيم – فالنووي رحمه الله جعل " خلاف الأولى " النوع الثالث، والقاضي البيضاوي ذكر مكانه " المباح " وليس هذا الاختلاف اختلافًا لفظيا، لأن المباح لا يرادف " خلاف الأولى " كما لا يخفى على أصحاب الفقه والإفتاء، وبعضهم زاد قسمًا رابعًا فقال إنها واجبة – أو مندوبة – أو مباحة أو خلاف الأولى.

فقال صاحب شرح الجلال:

والرخصة إما أن تكون وجوبًا، أو ندبًا، أو إباحة أو خلاف الأولى؛ فالأول: نحو وجوب أكل الميتة للمضطر والحكم الأصلي الحرمة وسببها خبث الميتة وهو لا يزال قائمًا عند الاضطرار الذي هو العذر، ووجوب أكلها حينئذ أسهل من حرمته لأنه وإن كان مثل الحرمة في الإلزام لكن فيه بقاء النفس وفي الحرمة تلفها، وبقاء النفس موافق للغرض فكان أسهل ... والثاني: كندب القصر للمسافر سفرًا يبلغ ثلاثة أيام فصاعدًا وإلا كان الإتمام أولى خروجًا من خلاف أبي حنيفة رحمه الله بالقول بوجوبه، والحكم الأصلي حرمة القصر وسببه دخول وقت الصلاة وهو قائم في السفر، والعذر مشقة السفر، والثالث: كإباحة السلم الذي هو بيع غائب موصوف في الذمة وحكمه الأصلي الحرمة، وسببه الغرر وهو قائم، والعذر الحاجة إلى ثمن الغلات قبل إدراكها، والرابع: كمخالفة الأولى في فطر المسافرين في رمضان، وحكمه الأصلي الحرمة وسببه شهود الشهر وهو قائم، والعذر مشقة السفر (٣) . والسيوطي رحمه الله زاد قسمًا خامسًا وهو المكروه – حيث قال: " الرخص أقسام، ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش، وإن كان مقيمًا صحيحًا، وإساغة الغصة بالخمر، وما يندب كالقصر في السفر والفطر لمن يشق عليه الصوم في السفر أو المرض، والإبراد بالظهر والنظر إلى المخطوبة. وما يباح كالسلم. وما الأولى تركها، كالمسح على الخف، والجمع والفطر لمن لا يتضرر والتيمم لمن وجد الماء يباع بأكثر من ثمن المثل وهو قادر عليه. وما يكره فعلها كالقصر في أقل من ثلاثة مراحل (٤) .


(١) الأصول والضوابط للنووي ٣٧ – ٣٩.
(٢) الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي ١/ ٨١.
(٣) شرح الجلال على الجمع ١ / ١٢٣.
(٤) الأشباه والنظائر للسيوطي ١٧١ تحقيق وتعليق محمد معتصم بالله البغدادي – طبع ١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م – دار الكتاب العربي ببيروت.

<<  <  ج: ص:  >  >>