وكما قلنا أولاً: إن ارتفاع حكم الحرمة فيه رفع الحرج وتغير العسر إلى اليسر ثم بعد ذلك إذا لم يتناول المحرم فمات فلم يؤد ما كان عليه واجبًا من صيانة النفس فصار عاصيًا ومعاقبًا، وجزى الله الإمام الغزالي رحمه الله فقال في " المستصفى " ما هو القول الأعدل في هذه القضية فقال: فإن قيل فالرخص تنقسم إلى ما يعصى بتركه كترك أكل الميتة والإفطار عند خوف الهلاك، وإلى ما لا يعصى كالإفطار والقصر وترك كلمة الكفر وترك قتل من أكره على قتل نفسه، فكيف يسمى ما يجب الإتيان به الرخصة وكيف فرق بين البعض والبعض، قلنا: أما تسميته رخصة وإن كانت واجبة فمن حيث إن فيه فسحة، إذ لم يكلف إهلاك نفسه بالعطش وجوز له تسكينه بالخمر وأسقط عنه العقاب، فمن حيث إسقاط العقاب عن فعله هو فسحة ورخصة، ومن حيث إيجاب العقاب على تركه هو عزيمة (١) .
التقسيم الثاني
تقسيم الرخصة باعتبار الحقيقة والمجاز:
قسم الحنفية الرخصة إلى قسمين: رخصة حقيقية، والثاني رخصة مجازية، ثم قسموا الرخصة الحقيقة إلى نوعين، والمجازية إلى نوعين، فتفصيل الأنواع أربعة؛ قال الإمام جلال الدين أبو محمد عمرو بن محمد بن عمرو الخبازي الحنفي في كتابه المغني في أصول الفقه: وأما الرخص فأربعة أنواع، نوعان من الحقيقة أحدهما أحق من الآخر، ونوعان من المجاز أحدهما أتم من الآخر فأما أحق نوعي الحقيقة فما يرخص ارتكابه مع قيام المحرم والحرمة بمنزلة العفو عن الجناية بعد استحقاق العقوبة كإجراء المكره كلمة الكفر على اللسان، وإفطاره في رمضان، وإتلافه مال الغير، وجنايته على الإحرام، وتناول المضطر مال الغير، وترك الخائف على نفسه الأمر بالمعروف، وإنما يرخص في هذا القسم لأن في الامتناع إتلاف نفسه صورة ومعنى، وفي الارتكاب إتلاف حق الشرع أو حق العبد صورة لا معنى ... بخلاف النوع الثاني وهو ما يرخص فيه مع قيام السبب وتراخي حكمه بمنزلة تأجيل الدين كفطر المريض والمسافر، وحكمه أن الصوم أفضل عندنا لكمال سببه وتردد في الرخصة، فالعزيمة تؤدي معنى الرخصة من حيث تضمنها يسر موافقة المسلمين ...