للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة التلفيق وحكمه

التلفيق لغة واصطلاحًا:

التلفيق مأخوذ من " لفقت الثوب ألفقه لفقًا وهو أن تضم شقة إلى أخرى فتخيطها ولفق الشقتين يلفقهما لفقًا ولفقهما – ضم إحداهما إلى الأخرى فخاطهما (١) والتلفيق مصدر لفق ضم شقة إلى أخرى (٢) . أما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فالتلفيق كما قال الرواس قلعجي هو " القيام بعمل يجمع فيه بين عدة مذاهب، حتى لا يمكن اعتبار هذا العمل صحيحًا في أي مذهب من المذاهب " (٣) فالتلفيق هو " الإتيان بكيفية لا يقول بها مجتهد " وذلك بأن يلفق في قضية واحدة بين قولين أو أكثر يتولد منها حقيقة مركبة لا يقول بها أحد كما لو توضأ فمسح بعض شعر رأسه مقلدًا للإمام الشافعي رحمه الله وبعد الوضوء مس أجنبية مقلدًا للإمام أبي حنيفة رحمه الله فإن وضوءه على هذه الهيئة حقيقة مركبة لم يقل بها كلا الإمامين (٤) .

حكم التلفيق:

الأصل أن هذه القضية الهامة التي صارت مثار بحث بين العلماء المتأخرين مرتبطة بمسألة التقليد بجوازه أو منعه، وأيضا بمسئلة التزام مذهب معين، فمن أجاز التقليد وأوجب الالتزام بمذهب معين منع التلفيق، ومن لم يوجب الالتزام جوزه – ولذلك اختلف الفقهاء في الحكم فذهب أكثر الفقهاء إلى أن التلفيق ممنوع لأن التقليد لا يصح مع التلفيق، وطائفة من الفقهاء ذهب إلى جواز التلفيق مطلقًا مستدلين بأنه ليس هنا أي مانع من الكتاب والسنة – وبعض من الفقهاء قد اختار القول الثالث وهو أنه يجوز التلفيق بشرط أن لا يتأدى إلى تتبع الرخص المفضي إلى الانحلال والفجور، والذين جوزوه بشروط ذكروا له شروطًا شتى.

فقال في الدر المختار: " وإن الحكم الملفق باطل بالإجماع، وإن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقًا – وهو المختار في المذهب – وإن الخلاف خاص بالقاضي المجتهد، وأما القاضي المقلد فلا ينفذ قضاؤه بخلاف مذهبه أصلاً كما في القنية (٥) .

مثاله: متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى، فإن صحة هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي، والتلفيق باطل فصحته منتفية (٦) .


(١) لسان العرب لابن منظور ٥ / ٤٠٥٦.
(٢) معجم لغة الفقهاء، وضع محمد رواس وحامد صادق ١٤٤.
(٣) معجم لغة الفقهاء ١٤٤.
(٤) عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق ٩١ – ٩٢.
(٥) الدر المختار مع حاشية رد المحتار لابن عبادين ١ / ٧٥.
(٦) الدر المختار مع حاشية رد المحتار لابن عابدين ١ / ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>