قال العلامة زين العابدين إبراهيم الشهير بابن نجيم المصري الحنفي المتوفى ٩٧٠هـ في رسالته " في صورة بيع الوقف ":
أما مسألة بيعه بغبن فاحش فقال مولانا قاضيخان في فتاواه: ولو باع أرض الوقف بثمن فيه غبن فاحش لا يجوز بيعه في قول أبي يوسف وهلال لأن القيم بمنزلة الوكيل فلا يملك البيع بغبن فاحش ولو كان أبو حنيفة يجوز الوقف بشرط الاستبدال لا يجيز بيع القيم إذا كان بغبن فاحش كالوكيل بالبيع، ويمكن أن تؤخذ صحة الاستبدال من قول أبي يوسف وصحة البيع بغبن فاحش من قول أبي حنيفة بناء على جواز صحة التلفيق في الحكم من قولين؛ قال في الفتاوى البزازية من كتاب الصلاة من فصل زلة القارى: ومن علماء خوارزم من اختار عدم الفساد بالخطأ في القراءة آخذًا بمذهب الإمام الشافعي فقال الباقوهجي: مذهبه من غير الفاتحة، فقال: أخذت من مذهبه الإطلاق وتركت القيد لما تقرر في كلام محمد أن المجتهد يتبع الدليل إلى القائد حتى صح القضاء بصحة النكاح بعبارة النساء على الغائب.
وما وقع في تقرير أن همام منع التلفيق فإنما عزاه إلى بعض المتأخرين وليس هذا المذهب (١) .
فقضية التلفيق نشأت في عصر التقليد، فإن الفقهاء من المذاهب المعروفة لما رأوا في المجتمع الإسلامي قلة الورع واتباع الهوى وميلاً شديدًا إلى أهواء النفوس ذهب كثير منهم إلى إيجاب التقليد الشخصي سدًا للذريعة ومنعًا للتشهي والفجور والانحلال، وللأصوليين والفقهاء في قضية التلفيق ثلاثة مذاهب، كما ظهر من نصوص الفقهاء التي قدمناها في هذا البحث.
المذهب الأول: جواز التلفيق مطلقًا.
المذهب الثاني: منع التلفيق مطلقًا.
المذهب الثالث: إباحة التلفيق بشروط.
لا شك أن المذهب الأول – إباحة التلفيق بإطلاق – خطير جدًّا خاصة في عصرنا هذا الذي قد تغلب فيه الهوى وقل فيه الورع، ولو اخترنا هذا المذهب في هذا العصر عصر الإباحية والفوضى – لأدى إلى تعطيل الشريعة وجعله للناس ذريعة للتلاعب بالدين وانجر إلى الاستهزاء بالدين.
(١) رسائل ابن نجيم ص ٢٣٩ – ٢٤٠، طبع دار الكتب العلمية – بيروت.