للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرخصة

عرف الأحناف الرخصة تعريفات مختلفة، فمنها ما ذكره صدر الشريعة بأنها " ما لا يكون حكمًا أصليا، أي يكون مبنيا على أعذار العباد، وذلك مثل إباحة الكفر على اللسان للمكره (١) ، ومنها تعريف السرخسي بأنها " ما استبيح للعذر مع بقاء الدليل المحرم " (٢) ، ومنها تعريف الكمال بن الهمام " ما شرع تخفيفًا لحكم مع اعتبار دليله " (٣) ، ومثل تعريف الأحناف تعريف فخر الإسلام البزدوي حيث قال " الرخصة اسم لما بني على أعذار العباد ".

وعند الشافعية الرخصة: " ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المحرم لولا العذر لثبتت الحرمة" وبهذا يخرج المباح فليس برخصة أي هو عزيمة. وهذا معنى تعريف الآمدي لها وهو " ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام السبب المحرم " (٤) ، وعرفها أبو اليسر من الشافعية بأنها " ترك المؤاخذة بالفعل مع قيام المحرم، وحرمة الفعل وترك المؤاخذة بترك الفعل مع وجود الموجب والوجوب " (٥) .

وعرفها الشعراني في الميزان بأنها " اسم لما تغير عن الأمر الأصلي إلى تخفيف ويسر ترفها وتوسعها على أصحاب الأعذار " (٦) .

وعرف الحنابلة الرخصة بأنها " ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح" وهذا خلاف ما ثبت على وفق الدليل فلا يكون رخصة بل عزيمة كالصوم في الحضر (٧) .

وقيل: إن الرخصة هي " استباحة المحظور مع قيام الحاظر " مثل أكل الميتة في المخمصة، فإنه استباحة للميتة المحرمة شرعًا مع قيام السبب المحرم وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] ، وهذا الدليل راجح على سبب التحريم وهو قوله سبحانه {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣] ، فإن هذا خاص، وسبب التحريم عام، والخاص مقدم على العام (٨) .

والمالكية عرفوا الرخصة بأنها " جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعًا " (٩) ، كما عرفها الشاطبي بأنها " ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه " (١٠) ، ويتضح من هذه التعريفات أن من الأصوليين من جعل الرخصة اسمًا على الحكم نفسه، أي جعلها من أقسام الحكم، ومنهم القرافي والشاطبي والبيضاوي والغزالي، ومنهم من أطلقها على الفعل نفسه ومنهم ابن الحاجب والرازي.


(١) التوضيح لصدر الشريعة ٢ / ١٢٦.
(٢) أصول السرخسي ١ / ١١٧.
(٣) التقرير والتمييز، شرح التحرير للكمال بن الهمام ٢ / ١٤٦.
(٤) التلويح للتفتازاني ٢ / ١٢٧، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ / ١٨٨.
(٥) التلويح للتفتازاني ٢ / ١٢٧.
(٦) الميزان ١ / ١٢ ملخص رأيه في الرخصة.
(٧) شرح مختصر الروضة ١ / ٤٥٩.
(٨) شرح مختصر الروضة ١ / ٤٥٩.
(٩) التنقيح في أصول الفقه للقرافي.
(١٠) الموافقات ١ / ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>