للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع الرخصة:

من العلماء من جعل الرخصة أنواعًا كالأحناف، ومنهم من سمى أنواع الرخصة إطلاقات كالشاطبي، ومنهم من جعل بعضها واجبًا وبعضها الآخر غير واجب، ومنهم من جعلها رخصة فعل، ورخصة ترك، مما نبينه تفصيلاً فيما يلي:

جعل الأحناف الرخصة أنواعًا من حيث كونها حقيقية أو مجازًا، ومعنى كونه حقيقة: أنه أبيح مع وجود الحرمة في فعله أو تركه، ومعنى كونه مجازًا أنه سهل علينا ما شدد على الأمم السابقة، رفقًا من الله سبحانه وتعالى بنا، مع جواز إيجابه علينا كما أوجبه عليهم، ولأنه بعيد عن حقيقة الرخصة لأن الأصل لم يكن مفروضًا علينا، كما أن بعض هذه التعريفات اقتصر على الدليل المحرم مع أنه قد يكون دليلاً على الوجوب كالصوم، كما قيد بعضهم الرخصة بجواز الفعل مع أنها قد تكون بجواز الترك.

أ- النوع الأول:

١- أن يكون رخصة حقيقة، وهو " ما استبيح مع قيام المحرم والحرمة " كإجراء كلمة الكفر تحت الإكراه الملجئ، أي الذي يخشى منه فوات النفس كالقتل، أو فوات العضو كقطع اليد، وهو الإكراه التام؛ فيجوز له أن ينطق بكلمة الكفر تقاة من المكرهين الظالمين مع بقاء قلبه مطمئنًا بالإيمان، وذلك من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٥ – ١٠٦] فحرمة الكفر قائمة أبدًا، للأدلة الموجبة للإيمان، وهذا أعلى أنواع الرخص، لأنه لو أخذ بالعزيمة لكان حسبة لله تعالى، ولو قتل لكان شهيدًا (١) ، ومثله الكره على إتلاف مال الغير أو المكره على الإفطار في رمضان (٢) .

٢- أن يكون رخصة حقيقة وهو " ما استبيح مع قيام المحرم دون الحرمة " كإباحة إفطار المسافر، فإن المحرم للإفطار قائم، لكن حرمة الإفطار غير قائمة، فالرخصة كانت بناء على سبب تراخي كلمة وهو شهود الشهر، وحكمه وجوب الصوم وقد تراخى حكمه لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] .


(١) التلويح للتفتازاني على التوضيح لصدر الشريعة ٢ / ١٣٠.
(٢) المنار / ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>