للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطلاقات الرخصة:

سمى الشاطبي أنواع الرخصة إطلاقات وجعلها إطلاقات أربعة بناها على الأسباب الموجبة للرخصة، وهي إطلاقات أربعة:

أولها: ما استثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا من غير اعتبار لكونه بعذر شاق، وهو ما استند إلى أصل الحاجيات كالقرض والقراض والمساقاة وبيع العرية بخرصها تمرا، وضرب الدية على العاقلة، ويدل عليه قوله ((: نهى عن بيع ما ليس عندك وأرخص في السلم)) أو ما استند إلى أصل التكميلات كصلاة المأمومين جلوسًا اتباعًا للإمام المعذور، وصلاة الخوف المشروعة بالإمام كذلك (١) .

ثانيها: قد تطلق الرخصة على ما وضع عن هذه الأمة من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة كما دل عليها قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] . وقد سبق وذكرنا أمثلة لهذه التكاليف والأعمال الشاقة. ويدخل في الإطلاق كل ما جاء في ملة الإسلام من المسامحة واليسر (٢) .

وثالثها: ما كان من المشروعات توسعة على الناس مما هو راجع إلى قضاء مآربهم ونيل حظوظهم وتحقيق مصالحهم، والعزيمة هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي إطلاقًا، فالإذن بأخذ الحظ توسعة يعتبر رخصة هي حظ العباد من لطف الله. وهنا يدخل الشاطبي المباحات من الرخص لما فيه من التيسير والتوسعة ورفع الحرج (٣) (خلافًا للحنفية الذين يجعلون المباح عزيمة) .

ورابعها: ما شرع من الأحكام لعذر شاق كصلاة الإنسان جالسًا لأنه لا يقدر على الصلاة قائمًا إلا بمشقة. وكأكل الميتة للمضطر في قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] ، ويقتصر بالرخصة على موضع الحاجة فقط، وهو من خواص الرخص. ويفترض بهذا عما شرع من الحاجيات الكلية فإنها مشروعة مستثمرة، بينما الرخصة هنا إذا زال سببها زالت مشروعيتها في حق المرخص له (٤) .


(١) الموافقات ١ / ٢٠٧.
(٢) الموافقات ١ / ٢٠٧.
(٣) الموافقات ١ / ٢٠٨.
(٤) الموافقات ١ / ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>