للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسباب الرخص:

تعددت الأسباب التي أبيحت من أجلها الرخصة، فمنها:

١- الضرورة: كأن يكون في حالة مخمصة ويخشى على نفسه الهلاك مثل أكل الميتة أو النطيحة أو شرب البول ولا يجد ما يأكله أو يشربه، لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} [المائدة: ٣] .

٢- رفع الحرج والمشقة: كإفطار العجوز الفاني في رمضان أو رؤية الطبيب عورة المرأة لمعالجتها؛ والحرج المعتبر في مشروعية الرخصة أن يكون مؤثرًا في المكلف، أو أن لا يكون له صبر عليها كالمرض الذي يعجزه عن استيفاء أركان الصلاة على وجهها.

استنادًا إلى قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، والقاعدة الشرعية تقول " المشقة تجلب التيسير" (١) .

والمشقة – كما يقول ابن نجيم – قسمان: مشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحد ورجم الزنا، وقتل الجناة، وقتال البغاة " فلا أثر لها في إسقاط العبادات في كل الأوقات". ومشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء فهي موجبة للتخفيف (٢) . ولكننا نقول بأن المشقة التي ذكرها يمكن أن تكون فيها الرخص في الإفطار عند عدم الإطاقة في الحر والسفر، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (٣) . وعند من اعتبر التيمم رخصة فهو بدل الوضوء في حالة الضرر من الغسل في البرد أو الغسل عند الجراحة.

حكم الرخصة:

وحكم الرخصة جواز العمل بها في مواضع الجواز، والإنسان مخير بين الأخذ بالعزيمة، كالصبر على العذاب وعدم النطق بكلمة الكفر، وبين الأخذ بالرخصة كالنطق بكلمة الكفر، ومثل الأخذ بالعزيمة في الصوم في السفر أو الإفطار.

والحديث النبوي الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) (٤) ، وما روي عنه صلى الله عليه وسلم ((إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) (٥) ، جعل الرخصة في موضع الإباحة والتخيير بعد الطلب الجازم بالفعل، تيسيرًا على الناس، ورحمة بهم وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، كما استشهدنا بآيات اليسر ورفع الحرج (٦) .


(١) الموافقات للشاطبي ١ / ٢١٧.
(٢) غمز عيون البصائر في شرح كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم ١ / ٢٤٥ وما بعدها.
(٣) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله.
(٤) أصول الفقه للشيخ محمد أبو زهرة ص ٥٤، والحديث رواه أحمد والبيهقي.
(٥) أخرجه البخاري.
(٦) التقرير على التحبير ٣ /٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>