للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضوابط الأخذ بالرخص:

١- أن لا يكون الأخذ بالرخصة لغرض فاسد، ومن هنا جاء منع تتبع الرخص (عند جماعة من العلماء كما سنذكر) لكف الناس عن الجري وراء الأسهل من غير دليل، والأصل أنه يجوز للعامي أن يأخذ في كل مسألة بقول مجتهد هو أخف عليه، لما روي عن عائشة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف على الناس)) (١) .

٢- أن لا يجمع بين الرخص على صورة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقبل بها أحد من العلماء.

٣- أن لا يأخذ برخص متناقضة في الأمر الواحد (من اختلاف الفقهاء في اجتهاداتهم) كأن يأخذ بعدم نقض الوضوء بلمس المرأة (وهو رأي أبي حنيفة) ويأخذ بعدم نقض الوضوء بنزول الدم (وهو رأي الشافعي) الذي يرى انتقاض الوضوء باللمس، ويرى أبو حنيفة انتقاض الوضوء بنزول الدم عن موضعه.

٤- لا يجوز الأخذ بالأهون من كل مذهب مجتهد بحيث تنحل ربقة التكليف من عنق المكلف (٢) .

تتبع الرخص في المذاهب ورأي الفقهاء والأصوليين فيه

هل يجوز تتبع الرخص في المذاهب؟

والرخصة هي الأخذ بالأسهل والأيسر، وتتبعها هو أن يأخذ من كل مذهب أخف الأحكام وأسهلها.

اختلف العلماء في ذلك:

١) فبعضهم ذهب إلى تحريمه: فقد نقل ابن حجر في تحفته الإجماع على منع تتبع الرخص.

وأباحه بعضهم بقيود كالقرافي الذي قال: إنما يجوز تقليد غير من قلده أولاً بشروط: كما إذا لم يترتب على تقليد ذلك الغير ما يجتمع على بطلانه عند الأول والثاني، مثال ذلك لو قلد الشافعي في عدم فرضية الدلك للأعضاء المغسولة في الوضوء والغسل، وقلد مالكًا في عدم نقض اللمس بلا شهوة للضوء فتوضأ ولمس بلا شهوة وصلى، إن كان الوضوء بدلك صحت صلاته عند مالك وإن كان بدونه بطلت عندهما (٣) .

٢) والروياني اشترط في التقليد ثلاثة شروط كما نقل القرافي في تنقيح الفصول:

١- أن لا يجمع بينها على صورة تخالف الإجماع كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد من المجتهدين، وإلى هذا ذهب العز بن عبد السلام (٤) .

٢- أن يعتقد فيمن يقلده الفضل.

٣- عدم تتبع الرخص، وقد تعقب العلماء دعوى الإجماع بأنها غير صحيحة لأنها إجماع المتأخرين، وهم غير مجتهدين، وإجماع غير المجتهدين غير معتبر؛ على أن دعوى إجماع المتأخرين فيه نظر لأنهم لم يجمعوا جميعهم، والمجتهدون لم يصرحوا بشيء من هذا، ثم إن هذا الإجماع منقول بالآحاد وهو لا يوجب العمل عند الأحناف وعند بعض الشافعية، كما ذكر ذلك ابن ملك في شرح المنار (٥) .


(١) التقرير على التحبير ٣ / ٣٥١ والحديث أخرجه البخاري.
(٢) خلاصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق للشيخ عبد الغني النابلسي (ص ٤) طبع استنبول سنة ١٤٠٦هـ – سنة ١٩٨٦م.
(٣) التقرير والتحبير ٣ / ٣٥٢.
(٤) الفواكه العديدة ٢ / ١٣٨، والتقرير على التحبير ٣ / ٣٥٢.
(٥) مخطوطة القول السديد صـ ٣٢، والمنار لابن ملك صـ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>