للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلفيق

التلفيق لغة: هو ضم شقتي الثوب إلى الأخرى وخياطتها، يقال: لفق الثوب (من باب ضرب) يلفقه لفقًا وهو أن يضم شقة إلى أخرى فيخيطهما، وقد لفقت بين ثوبين ولفقت أحدهما بالآخر إذا لاءمت بينهما بالخياطة، والتلفيق أعم. كما جاء في لسان العرب والصحاح للجوهري والقاموس للفيروزأبادي.

وهذا المعنى اللغوي هو أقرب المعاني للكلمة ما يوافق ما أراده الاصطلاحيون " بالتلفيق " فهو عند علماء الحديث (كما في كشف الظنون) " علم يبحث فيه عن الملاءمة والتوفيق من الأحاديث المتنافية ظاهرًا، إما بتخصيص العام تارة وإما بتقييد المطلق تارة أخرى، أو بالحمل على تعدد الحادثة، إلى غير ذلك من وجوه التأويل. وشراح الحديث يرددون كثيرًا لفظة التلفيق، قد يريدون بها التلفيق بين متون لأحاديث مختلفة ليتكون من مجموعها خبر واحد، كما صنع كل من البخاري وابن إسحاق في حديث الإفك " (١) .

وهو عند الفقهاء والأصوليين: " أن يأتي بكيفية لا يأتي بها مجتهد " (٢) ، أو الجمع بين تقليد إمامين أو أكثر في فعل له أركان وجزئيات لها ارتباط ببعضها، لكل منها حكم خاص كان موضع اجتهادهم وتبيان آرائهم فيقلد أحدهم في حكم وآخر في حكم آخر فيتم التلفيق.

وهو ضربان: أحدهما:

تخير الأحكام الكلية للعمل والمعرفة والاطمئنان إلى الأرجحية من غير نظر إلى جزئيات تلك الأحكام وما يمكن أن يترتب عليها في النوازل المختلفة. وقد أجيز هذا النوع من غير تقييده بشرط (٣) .

والنوع الثاني تلفيق التقليد في العمل وهو:

أن يكون هذا التخير للعمل به في نازلة معينة، وهو النوع الذي تكلم العلماء في جوازه أو عدم جوازه، وهو نوع من التقليد ومن شرط جوازه أن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة لا يقول كل من الإمامين بها (٤) .

وقد جاء في الدر المختار أن الحكم الملفق باطل بالإجماع (٥) .

وأكثر العلماء على جواز التلفيق ودعوى الإجماع غير واردة فالبيجوري على جوهرة التوحيد وابن الهمام على أنه لم يثبت نص في تحريم التلفيق.

صورة التلفيق أن يقلد إمامًا في رأي في نازلة معينة، ويقلد إمامًا آخر في نفس النازلة كأن يقلد الشافعي في وضوئه من حيث عدم فريضة الدلك ويقلد مالكًا في لمس المرأة بشهوة فلا يصح وضوءه على مذهبيهما، وكأن يقلد أبا حنيفة في صحة الزواج بعبارة النساء، وحال قيام الزوجية طلق الزوجة بلفظ من ألفاظ الكنايات التي يقع بها البائن عند أبي حنيفة وقلد الشافعي في وقوعه طلقة رجعية فيكون عاملاً بقولين معًا في قيام زوجية واحدة. وكمن قلد أبا حنيفة في التزوج بلا ولي، ثم قلد الشافعي في ضرورة التزويج بولي يبقى عقد نكاح الأول صحيحًا.

فالتلفيق العملي لا يتحقق إلا حين العمل بالقولين أو بأحدهما مع بقاء الآثار اللازمة للآخر.


(١) انظر مقالاً للشيخ محمد أحمد فرج السنهوري في النشرة الأولى لمجمع البحوث ١ / ٦٧.
(٢) تحفة الرأي السديد صـ ٢٣.
(٣) مقال الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري في مجلة البحوث ١ / ٧٦.
(٤) شرح المنهاج للإسنوي ٣ / ٣٥٠.
(٥) رد المحتار ٣ / ٤٠٧، ٤ / ٦٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>