والتلفيق مسألة نشأت عند المتأخرين ولم تكن عند الأئمة المجتهدين ولا عند أهل التخريج، وأول من تكلم بها كما يقول الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري هو القاضي نجم الدين بن علي الطرسوسي سنة ٧٥٨ هـ إذ نقل أنه وقف على حكم لحسام الدين الراوي المنفي في سنة ٦٨١هـ حكم فيه بصحة وقف المحجور للسفه، ونفذ هذا قضاة من الحنابلة، وأن هذا الحكم أشكل عليه لأن القضية صارت مركبة من مذهبي أبي حنيفة وأبي يوسف. وأنه رأى في " منية المفتي " مثل هذا الواقعة المركبة من مذهبين وقد مضى فيها على الجواز، ثم أجازه العلامة أبو السعود العمادي سنة ٩٨٣هـ وهو مفتي الروم ثم تبعهم العلماء في ذلك، وقد أجازه الكمال بن الهمام، والسيد الشريف محمد أمين الشهير بأمير بادشاه شارح التحرير المتوفى سنة ٩٧٢ هـ.
وعندي رسالة مخطوطة للشيخ منيب هاشم مفتي مدينة نابلس، انتهى من تأليفها سنة ١٣٠٧هـ عرضها على شيخ الشيوخ عبد الرحمن البحراوي الحنفي الذي كتب عليها " إن المؤلف قد بين الحق على الوجه الصحيح "، وهي مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم ٤٠٣ وقد وجدها الشيخ السنهوري وبين أنه انتصر فيها للتقليد انتصارًا موفقًا.
وقد أثار مسألة التلفيق من المالكية الشيخ الزناتي ونقل عنه القرافي المتوفى سنة ٦٨٠هـ وكذلك الشاطبي وقد ذهبوا إلى منع التلفيق وتتبع الرخص، والشافعية تناولوا التلفيق كالقفال والمروزي والماوردي والشيرازي والغزالي والرافعي والنووي والسبكي، واختلفوا بين المنع والإجازة، فابن دقيق العيد أجازه شرط أن لا يقع في صورة يجمع على أنها باطلة.
وعز الدين بن جماعة المتوفى سنة ٧٦٧ هـ يرى أن العبادة الملفقة من عدة مذاهب لا تجوز، وإلى ذلك ذهب الغزالي وأحمد بن حجر سنة ٩٧٤هـ وادعى الإجماع على منعه (وهو غير صحيح) ، وإلى ذلك ذهب شهاب الدين أحمد بن عماد الدين الأقفهي في كتابه " تنبيه الحكام إلى أن التلفيق باطل بإجماع المسلمين".
والباجوري من الشافعية (شيخ الأزهر السابق) يقول في حاشيته على جوهرة التوحيد: فإن قلت: هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب؟ قلت: فيه ثلاثة أقوال: "يمتنع مطلقًا"، وقيل:" يجوز مطلقًا "، وقيل:" إن لم يجمع بين المذهبين على صفة تخالف الإجماع كمن تزوج بلا صداق ولا ولي ولا شهود فإن هذه الصورة لا يقول بها أحد "(١) .
(١) مقال الشيخ فرج السنهوري، مجلة مجمع البحوث – السنة الأولى سنة ١٣٨٣هـ الموافق سنة ١٩٤٦م.