للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ناقش العلماء دعوى الإجماع وانتهوا إلى جواز التلفيق لعدم دليل يدل على المنع (١) من نص أو إجماع، وإلى هذا الرأي مال العلماء الكثيرون من الحنفية، ومن المتأخرين الشيخ السنهوري والشيخ عبد الرحمن القلهود من علماء مجمع البحوث الإسلامية؛ مستندين إلى إجازات العلماء في ذلك وإلى أن التلفيق أمر ضروري لاسيما ونحن على أبواب عمل تشريعي لتقنين الفقه والأخذ فيه بأيسر الآراء اعتمادًا على قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] ، قال القلهود: " ومما تقدم يتضح أن تقليد أئمة المذاهب المعتبرة وعدم التقيد بتقليد مذهب أو قول معين أمر جائز، كما أن التلفيق بين أقوال المذاهب لا محذور فيه؛ وهذا بلا شك من اليسر في الدين " (٢) .

ترجيح ما هو أحق بالاتباع

الترجيح: إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين أو جعل الشيء راجحًا، ونحن بعد استعراض أقوال العلماء وأدلتهم في موضوع تتبع الرخص أو عدم تتبعها، وموضوع التلفيق بين الأحكام الاجتهادية أو عدم التلفيق؛ بين أمرين: التتبع أو عدم التتبع، وجواز التلفيق أو عدم جواز التلفيق؛ أرى الذهاب إلى جواز تتبع الرخص وهو الأخذ من كل مذهب بما هو الأخف والأسهل فيما يقع من المسائل، للأسباب والشروط التالية:

١- أن يكون تتبع الرخص للعامي لا للمجتهد أو المرجح.

٢- أن لا يرتكب ما اشتهر تحريمه في الشرع فإن فعل يأثم، وأن لا يكون قد عمل بحكم آخر في نفس المسألة.

٣- أن لا يجمع بين الآراء التي يؤدي العمل بها إلى أن يكون عمله باطلاً في كل مذهب كأن يتزوج من غير ولي ولا شهود ولا إعلان. أو يأخذ بالآراء المتناقضة والنوادر كأن يعمل بالمتعة على رأي الشيعة، وبالسماع على رأي أهل المدينة، وإتيان النساء في أدبارهن على رأي بعض الفقهاء، وبأن يشرب النبيذ على رأي أهل الكوفة (٣) .

٤- الحكمة من الرخصة التخفيف والتيسير والتوسعة على العباد شرعًا، وقد جاءت الأحكام الكثيرة المقررة لهذا، استنادًا إلى الآيات والأحاديث التي تقرر هذه الحكمة، وقد تعرضنا لها في أثناء البحث، بل إن الأحناف اعتبروا الترفيه على الناس من حكم الرخصة (٤) .


(١) مقال للشيخ عبد الرحمن القلهود ص ٩٦ من المجلة المذكورة.
(٢) مقال القلهود في الجزء الأول من نشرة مجمع البحوث ص ٩٧.
(٣) إرشاد الفحول للشوكاني ص ٢٧٢.
(٤) ميزان الأصول في نتائج العقول للسمرقندي ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>