للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (وفسر بعضهم تتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب ما هو أسهل عليه، وإن كان لا ينقض فيه حكم الحاكم) – اهـ (١) .

وأصل هذا في شرح التنقيح للقرافي نقله عن الزناتي، وعقب عليه بما مفاده. أن الممنوع في تتبع الرخص هو التلفيق بين قولي إمامين فأكثر في مسألة واحدة بحيث تكون في صورة لا يقول بها أي أحد من الأئمة.

أما إذا اختار من أحد المذاهب ما فيه سهولة، كتقليد مالك في طهارة أبوال النعم، وتقليده في الاكتفاء بالمعاطاة في البيع دون التلفظ بكلمة البيع أو الشراء فلا يمنع ذلك (٢) .

وقال ابن عابدين في حاشيته: (ليس على الإنسان التزام مذهب معين وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه، مقلدًا فيه غير إمامه مستجمعًا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في مسألتين منفصلتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا ينقض) (٣) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أن جمهور الشافعية والحنابلة لا يوجبون على العامي أن يلتزم مذهبًا معينًا، قال: (والذين يوجبونه يقولون: إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزمًا له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام) (٤) .

أما تتبع الرخص في المسائل الاجتهادية من غير ضرورة ملحة، فأكثر العلماء على منعه، قال الشيخ محمد أحمد عليش في فتاواه: (أما قولكم: والأخذ بالرخص مطلوب ودين الله يسر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] فجوابه أن ذلك في الرخص المعهودة العامة كالقصر في السفر الطويل والفطر فيه، والجمع في السفر وليلة المطر، والمسح على الخفين، وأشباه ذلك.

وأما تتبع أخف المذاهب وأوفقها لطبع الصائر إليها والذاهب فمما لا يجوز، فضلاً عن كونه محبوبًا مطلوبًا، قاله الرياشي وغيره. وقال ابن عبد البر في كتابه " بيان العلم ": عن سليمان التميمي أنه قال لخالد بن الحارث: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال أبو عمر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا. ونقل ابن حزم أيضا الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل فسق لا يحل) اهـ (٥) .

وقال المحلي في شرحه لجمع الجوامع: (والأصح أنه يمنع تتبع الرخص في المذاهب بأن يأخذ من كل منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل، وخالف أبو إسحاق المروزي فجوز ذلك) (٦) .


(١) نشر البنود على مراقي السعود ٢ / ٣٤٨ – ٣٥٠.
(٢) شرح تنقيح الفصول ص ٤٣٢ – ٤٣٣.
(٣) رد المحتار على الدر المختار: حاشية ابن عابدين ١ / ٧٥.
(٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٠ / ٢٢٢.
(٥) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك ١ / ٧٧.
(٦) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع ٢ / ٤٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>