للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل من حاشية الشيخ حسن العطار عن الشرنبلالي الحنفي عن السيد بادشاه في شرح التجريد: " يجوز اتباع رخص المذاهب ولا يمنع منه مانع شرعي، إذ للإنسان أن يسلك المسالك الأخف عليه إن كان له إليه سبيل بأن لم يكن عمل بقول آخر مخالف لذلك الأخف " (١) .

كما نقل عن الشافعية ما قاله ابن عبد السلام في فتاواه وهو أن ما حكاه بعضهم عن ابن حزم من حكاية الإجماع على منع تتبع الرخص من المذاهب، لعله محمول على من يتتبعها من غير تقليد لمن قال بها أو على الرخص المركبة في الفعل الواحد. ثم قال العطار: " فيؤخذ مما ذكرناه جواز التقليد وجواز تتبع الرخص لا على الإطلاق " قال: " بحيث لا يقع تتبع الرخص في التلفيق بين مذهبين في مسألة واحدة " (٢) وهذا الكلام يتفق مع ما تقدم عن القرافي أن الممنوع من تتبع الرخص هو ما كان فيه تلفيق بين مذهبين فأكثر في مسألة واحدة.

فتبين من هذا أن تتبع الرخص فيه خلاف في المنع والجواز وأن المنع هو رأي الجمهور.

وكما أن تتبع الرخص منهي عنه في حق من يعمل به فإنه منهي عنه في حق من يحكم أن يفتي به، وقد ينشأ ذلك من التساهل في الحكم والفتوى، وربما يقع ذلك رغبة في نفع قريب أو مسؤول.

قال ابن القيم: " لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق، وحرم استفتاؤه، فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي من حرج جاز، بل استحب، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثًا فيضرب به المرأة ضربة واحدة ".

ثم قال: " وأحسن المخارج ما خلص من المأثم: وأقبح الحيل ما وقع في المحارم أو أسقط ما أوجب الله ورسوله من الحق اللازم " (٣) .

وقال القرافي " إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا يفتى للعامة بالتشديد، وللخواص بالتسهيل، وذلك قريب من الفسوق والخيانة، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى والحاكم كالمفتي في ذلك " نقله الحطاب (٤) .

ومثله في كتاب " أدب المفتي والمستفتي " لأبي عمرو بن الصلاح. نقله ابن فرحون (٥) .


(١) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع ٢ / ٤٤١ – ٤٤٢.
(٢) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع ٢ / ٤٤١ – ٤٤٢.
(٣) إعلام الموقعين ٤ / ٢٢٢.
(٤) مواهب الجليل ١ / ٣٢.
(٥) تبصرة الحكام ١ / ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>