للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا: التلفيق:

أ – معنى التلفيق:

التلفيق هو الجمع بين تقليد إمامين فأكثر في مسألة واحدة بحيث تكون هذه المسألة في صورة لا تقبل في أي مذهب من المذاهب (١) .

مثال ذلك رجل توضأ فمسح أقل من ربع رأسه مقلدًا الشافعي، ثم لمس زوجة أو أجنبية مقلدًا أبا حنيفة في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة وصلى فإن صلاته على هذه الحالة لا يقبلها كل من الأئمة، فلا يقبلها أبو حنيفة لعدم مسح ربع الرأس ولا يقبلها الشافعي لأن لمس الزوجة أو الأجنبية ينقض الوضوء عنده مطلقًا، ولا يقبلها مالك ولا أحمد لعدم مسح الرأس كله.

ومثل ذلك أن يقلد مالكًا في عدم نقض الوضوء بالقهقهة ويقلد أبا حنيفة في عدم النقض بمس الذكر ثم يصلي فهذه الصلاة لا تصح عند أبي حنيفة لأن القهقهة تنقض الوضوء عنده، كما أنها لا تصح عند مالك، ولا تصح عند الشافعي وأحمد لأن مس الذكر ينقض الوضوء عندهم.

ومثال التلفيق في غير العبادات أن يطلق رجل زوجته ثلاث تطليقات مكرهًا على طلاقها – فيفتيه حنفي بلزوم طلاق المكره، ثم يتزوج أختها بعد انقضاء عدتها، ثم يفتيه شافعي بعدم مضي طلاق المكره، فيحرم عليه أن يطأ الأولى مقلدًا للشافعي ويطأ الثانية مقلدًا لأبي حنيفة.

أي يحرم عليه أن يجمع بينهما، أما إذا أعرض عن الثانية فإن له وطء الأولى تقليدًا للشافعي (٢) .

ب – حكم التلفيق:

التلفيق منعه أكثر الفقهاء، وأجازه بعضهم ففي المذهب الحنفي قال في الدر المختار: " وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم في تصحيحه أنه لا فرق بين المفتي والقاضي إلا أن المفتي مخبر عن الحكم والقاضي ملزم به، وأن الحكم بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع وأن الحكم الملفق باطل بالإجماع. قال ابن عابدين في حاشيته: " مثاله متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة " فإن هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعي والحنفي والتلفيق باطل وصحته منتفية " اهـ (٣) .

وللمالكية طريقتان في التلفيق في العبادة الواحدة؛ إحداهما تمنعه وهي طريقة المصريين، والأخرى تجيزه وهي طريقة المغاربة ورجحت. هذا ما نقله الدسوقي عن شيخه العدوي (٤) .

ونقل محمد سعيد الباني في عمدة التحقيق أن المعتمد عند الشافعية والحنفية والحنابلة عدم جواز التلفيق، لا في العبادة ولا في غيرها، وأن القول بجوازه ضعيف جدًّا، حتى حكى ابن حجر وغيره أنه خلاف الإجماع، قال: " وأراد بالإجماع اتفاق الأكثر " (٥) .


(١) عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق لمحمد سعيد الباني ص ٩١ – ٩٢.
(٢) نهاية المحتاج وحاشية أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي ١ / ٤٧ – ٤٨، وعمدة التحقيق في التقليد والتلفيق لمحمد سعيد الباني ص ٩٢.
(٣) رد المحتار على الدر المختار: حاشية ابن عابدين ١ / ٧٤ – ٧٥.
(٤) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٢٠.
(٥) عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>