للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فشمل الأحكام الخمسة، لأن كل واحد منها حكم ثابت بدليل شرعي. فيكون في الحرام والمكروه على معنى الترك، فيعود المعنى في ترك الحرام إلى الوجوب (١) .

وقوله: بدليل شرعي احتراز عن الثابت بدليل عقلي، فإن ذلك لا يستعمل فيه العزيمة والرخصة.

وقوله: خال عن معارض احتراز عما يثبت بدليل لكن لذلك الدليل معارض، كتحريم الميتة عند عدم المخمصة. فالتحريم فيها عزيمة. فإذا وجدت المخمصة حصل المعارض لدليل التحريم، وهو راجح عليه، فجاز الأكل، وحصلت الرخصة.

وعرفها الشاطبي في الموافقات (٢) ، بأنها: ما شرع من الأحكام الكلية ابتداءً. ومعنى: كلية الأحكام: أنها لا تختص ببعض المكلفين من حيث هم مكلفون دون بعض، ولا ببعض الأوقات والحالات دون بعض، بل إنها مشروعة على الإطلاق والعموم؛ كالصلاة، فإنها مشروعة على الإطلاق والعموم، وعلى كل شخص، وفي جميع الأحوال. وكذلك الصوم والزكاة، وغيرها من الفرائض الواجبات والسنن، وسائر شعائر الإسلام، وما شرع من الأحكام للتوصل بها إلى إقامة مصالح العباد، كالبيع والإجارة وسائر العقود، وكذلك أحكام الجنايات والقصاص والضمان وغير ذلك.

ومعنى: شرع هذه الأحكام ابتداء: أنها لم تسبق بأحكام شرعية قائمة، بل هي إنشاء أحكام تكليفية من أول الأمر، كالصلاة والزكاة والصوم، أو سبقت بأحكام منسوخة بها، كالتوجه إلى الكعبة، فإنه عزيمة لا رخصة؛ لأنه وإن سبق بحكم شرعي هو التوجه إلى بيت المقدس، إلا أن هذا الحكم ليس قائمًا. فالعزيمة ليست استثناءً من أحكام سابقة، بل إنها حكم شرعي ابتداء، وبذلك تفارق الرخصة.

وقد اعتمد هذا التعريف غالب من كتبوا في الأصول من المتأخرين (٣) .


(١) قال الطوفي: " إن العزيمة تشمل الواجب والحرام والمكروه ". وقال الآمدي وابن قدامة: إن العزيمة تختص بالواجب. وقال القرافي: تختص بالواجب والمندوب. وقال الحنفية: العزيمة تشمل الفرض والواجب والسنة والنفل. (انظر: القواعد والفوائد الأصولية: ص ١١٤ وما بعدها. الأحكام، للآمدي: ١ / ١٣١. الروضة: ص ٣٢. شرح تنقيح الفصول: ص ٨٧. فواتح الرحموت: ١ / ١١٩. التوضيح على التنقيح: ٣ / ٨٢. كشف الأسرار ٢ / ٣٠٠. حاشية البناني على جمع الجوامع وتقريرات الشربيني: ١/ ١٢٣. تيسير التحرير ٢/ ٢٢٩) . وانظر مناقشة التفتازاني للقرافي والحنفية في "التلويح على التوضيح: ٣ / ٨٣ ".
(٢) الموافقات للشاطبي: ١ / ٢٠٤.
(٣) انظر: علي حسب الله، في كتابه: أصول التشريع الإسلامي: ص ٣٢٨. - أحمد الكبيسي ومحمد جميل، في كتاب: أصول الأحكام وطرق الاستنباط: ص ١٩٨. - الأنموذج في أصول الفقه: ص ٤٢. - أصول الفقه لحسين حامد حسان: ص ١١٥. - أصول الفقه لأبي زهرة: ص ٤٩. - أصول الفقه، للعربي اللوة: ص ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>