للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عرف البيضاوي (١) وابن قدامة (٢) العزيمة، بأنها: الحكم الثابت لا على خلاف الدليل، كإباحة الأكل والشرب، أو على خلاف الدليل، لكن لا لعذر، كالتكاليف كلها. وفي ذلك تندرج الأحكام الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه فكانت العزيمة اسمًا للحكم الأصلي في الشرع بقطع النظر عن كونه مطلوب الفعل، أو مطلوب الترك. وإلى هذا الاتجاه ذهب غالب علماء الأصول، مثل: السرخسي في أصوله (٣) والأنصاري في لب الأصول وغايته، ومنلا خسرو في مرآة الأصول (٤) وجلال الدين المحلي على جمع الجوامع (٥) وغيرهم. والعزيمة تشمل الأحكام الخمسة، وتطلق على أربعة أنواع:

أولها: الحكم الذي لم يتغير، كوجوب الصلوات الخمس.

ثانيها: الحكم الذي تغير إلى ما هو اصعب منه، كحرمة الاصطياد بالإحرام في غير الحرم، بعد إباحته قبل الإحرام.

ثالثها: الحكم الذي تغير إلى سهولة لغير عذر، كحل ترك الوضوء لصلاة ثانية مثلاً لمن لم يحدث، بعد حرمته، والحل هنا بمعنى خلاف الأولى.

رابعها: الحكم الذي تغير إلى سهولة، لعذر، مع عدم قيام السبب للحكم الأصلي، كإباحة ترك ثبات الواحد من المسلمين مثلاً للعشرة من الكفار بعد حرمته؛ وسببها قلة المسلمين، ولم تبق حال الإباحة لكثرتهم حينئذ (٦) .

وقد ذهب بعض الأصوليين إلى أن العزيمة خاصة بالواجبات دون غيرها، لأنها من العزم المؤكد. كما ذهب الإمام القرافي إلى قصر العزيمة على الواجب والمندوب، إذ عرفها بأنها: طلب الفعل الذي لم يشتهر فيه مانع شرعي. واستعمل كلمة: طلب، بدل: الوجوب، ليندرج المندوب والواجب، أخذًا من قول المالكية: إن الآيات التي يندب السجود عند تلاوتها: عزائم، حيث تقرر عندهم أن عزائم القرآن إحدى عشرة سجدة (٧) .

ويرى البزدوي (٨) وصدر الشريعة (٩) والكمال بن الهمام (١٠) وغيرهم من علماء الحنفية: أن العزيمة هي الحكم الأصلي الذي يشمل الفرض والواجب والسنة والنفل، وهذه التي تشمل العزيمة المشروعة في نظرهم، ولم يذكروا المباح والحرام والمكروه من أقسامها (١١) .


(١) الأسنوي على المنهاج: ١ / ٩١.
(٢) روضة الناظر وجنة المناظر: ص ٥٨.
(٣) الأصول للسرخسي: ١ / ١١٧.
(٤) شرح مرقاة الوصول: ٢ / ٣٩٠.
(٥) المحلي على جمع الجوامع ١ / ١٢٤.
(٦) شرح الجلال على الجمع: ١ / ١٢٣.
(٧) شرح تنقيح الفصول: ص ٧٦ – ٧٧.
(٨) أصول البزدوي، شرح البخاري: ١ / ٦٢٠.
(٩) التوضيح على التنقيح: ٣ / ٨٢.
(١٠) التحرير بشرح ابن أمير الحاج ٢ / ٤٨.
(١١) فواتح الرحموت ١ / ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>