للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفهوم الرخصة عند الحنابلة:

لا يكاد يختلف عن مفهوم الرخصة عند الشافعية في جوهره (١) . فقد عرف الشيخ محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي، المعروف بابن النجار، الرخصة بقوله: والرخصة شرعًا: (ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح) (٢) . فقوله: (ما ثبت على خلاف دليل شرعي) احتراز عما ثبت على وفق الدليل، فإنه لا يكون رخصة بل عزيمة، كالصوم في الحضر.

وقوله: (لمعارض راجح) : احتراز عما كان لمعارض غير راجح، بل إما مساو فيلزم الوقف على حصول المرجح، أو قاصر عن مساواة الدليل الشرعي، فلا يؤثر وتبقى العزيمة بحالها – وهذا الذي ذكره الطوفي في مختصره.

ورغم أن الشافعية والمالكية والحنابلة لا يختلفون عادة في الاتجاه الأصولي؛ إلا أن المالكية في باب العزيمة والرخصة أبرزوا اهتمامًا كبيرًا، واعتمدوا فيه على كثير من فروع مذهبهم، لذا رأيت من المستحسن أن أتعرض إلى بعض آراء علمائهم في موضوع الرخصة الذي هو محل حديثنا.

معنى الرخصة عند المالكية:

يقول القرافي (٣) : الرخصة: فسره الإمام الرازي في المحصول بجواز الإقدام مع قيام المانع. وذلك مشكل؛ لأنه يلزم منه أن تكون الصلوات الخمس رخصة، والحدود والتعازير والجهاد والحج رخصة؛ لأن ذلك جميعه يجوز بجواز الإقدام عليه.

والذي يتابع ما وضعه القرافي في تعريف معنى الرخصة يشعر بالعمق الفكري وأثر الجهد الذي بذله في تتبع الرخص وخاصيتها والتفرقة بين الرخصة والعزيمة حتى يتمكن من الظفر بالتعريف الجامع المانع للرخصة.

فإنه وإن لم يخرج عن منهج المذهب الشافعي إلا أنه خالف هذا المذهب في مناسبات متكررة، وقد تقدمت الإشارة إلى رأيه في تعريف العزيمة التي قصر دلالتها على الواجب والمندوب.


(١) انظر القواعد والفوائد الأصولية: ص ١١٤، مختصر الطوفي: ص ٣٤، الروضة: ص ٣٢، المدخل إلى مذهب أحمد: ص ٧١. شرح الكوكب المنير لمحمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي: ١ / ٤٧٧.
(٢) انظر تعريف الرخصة في نهاية السول: ١ / ٨٧. المستصفى: ١ / ٩٨، الأحكام للآمدي: ١ / ١٣٢. شرح العضد على ابن الحاجب ٢ / ٧، كشف الأسرار: ٢ / ٢٩٨، تيسير التحرير: ٢ / ٢٢٨، الموافقات: ١ / ٢٠٥، التعريفات ص ١١٥، شرح تنقيح الفصول: ص ٨٥.
(٣) شرح تنقيح الفصول في الأصول للقرافي المالكي المتوفى سنة ٦٨٤ هـ مع حاشية منهج التحقيق والتوضيح للشيخ محمد جعيط المتوفى ١٣٣٧هـ ١ / ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>