للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاني الرخصة عند الشاطبي:

المعنى الأول: عرف الشاطبي (١) الرخصة بأنها ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه.

فكونه مشروعًا لعذر هو الخاصة التي ذكرها علماء الأصول.

وكونه شاقًا: احتراز عن العذر لمجرد الحاجة من غير مشقة موجودة، فلا يسمى ذلك رخصة، كشرعية القراض مثلاً، فإنه لعذر في الأصل، وهو عجز صاحب المال عن الضرب في الأرض، ويجوز حيث لا عذر ولا عجز. وكذلك المساقاة والقرض والسلم، فلا يسمى هذا كله رخصة، وإنما يكون مثل هذا داخلاً تحت أصل الحاجيات الكلية، والحاجيات لا تسمى عند العلماء باسم الرخصة.

وقد يكون العذر راجعًا لأصل تكميلي، فلا يسمى رخصة، كما إذا كان المترخص إمامًا عجز عن القيام فصلى قاعدًا، فصلاة المؤتمين به قاعدين وقع لعذر، إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة، وإنما هي متابعة الإمام، لما جاء في الحديث الشريف: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله من حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون)) (٢) . فهذه الموافقة للإمام، أو عدم المخالفة عليه، لا تسمى رخصة.

ثم يقول الشاطبي: وكونه مقتصرًا على مواضع الحاجة: خاصة من خواص الرخص لابد منها، وهي الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية وما شرع من الرخص، فشرعية الرخص جزئية، يقتصر فيها على موضع الحاجة؛ لأن المصلي – مثلاً – إذا انقطع سفره وجب عليه الرجوع إلى الأصل، من إتمام الصلاة، وإلزام الصوم.

والمريض إذا قدر على القيام في الصلاة لم يصل قاعدًا، وإذا قدر على مس الماء لم يتيمم. وكذلك سائر الرخص؛ بخلاف القرض والقراض والمساقاة فهي ليست برخصة في حقيقة هذا الاصطلاح.


(١) الموافقات للشاطبي: ١ / ٢٠٤.
(٢) رواه البخاري في الأخلاق - فتح الباري ٢/ ٢٠٩ ورواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم في الصلاة. (جامع الأصول في أحاديث الرسول: ٦ / ٤٠٠ -٤٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>