للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين الشاطبي أن الرخصة كما تطلق على المعنى الذي كنا نقرره تطلق على معان أخرى:

المعنى الثاني: ما استثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقًا، من غير اعتبار لكونه لعذر شاق. فيدخل فيه القرض والقراض والمساقاة وضرب الدية على العاقلة، وما أشبه ذلك. وعليه يدل حديث ((لا تبع ما ليس عندك)) (١) وأرخص في السلم (٢) .

المعنى الثالث: ما وضع عن هذه الأمة من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة التي دل عليها قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦] . وقوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] .

المعنى الرابع: ما كان من المشروعات توسعة على العباد مطلقًا، مما هو راجع إلى نيل حظوظهم، وقضاء أوطارهم. وعزيمته قضاء الوقت في عبادة الله سبحانه، وهي التي نبه عليها المولى تبارك وتعالى بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] . وقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: ١٣٢] .

فالعزيمة في هذا الوجه هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي على الإطلاق والعموم، سواء كانت الأوامر وجوبًا أو ندبًا؛ والنواهي كراهة أو تحريمًا، وترك ما يشغل عن ذلك من المباحات، فضلاً عن غيرها، لأن الأمر من الآمر مقصود أن يمتثل على الجملة. والإذن في نيل الحظ الملحوظ من جهة العبد رخصة، فيدخل في الرخصة على هذا الوجه كل ما كان تخفيفًا وتوسعة على المكلف، وبذلك كانت العزائم حق الله على العباد، والرخص حظ العباد من لطف الله. فتشترك المباحات مع الرخص على هذا الترتيب، من حيث كانا توسعة على العبد، ورفعًا للحرج عنه.

والذي يظهر من كل التعاريف المتقدمة في تحديد معنى الرخصة في اصطلاح الشرع، على اختلاف مذاهب الفقهاء، أن خصائص الرخص ثلاث:

١- إنها أحكام جزئية خاصة، شرعت على أحكام؛ فجواز الفطر للمريض والمسافر، وإباحة الميتة للمضطر، والنطق بكلمة الكفر للمكره – كلها أحكام جزئية خاصة؛ لأنها تطبق في شأن بعض المكلفين في بعض الحالات، وهي حالات السفر والمرض والإكراه والضرورة. وهذه الأحكام الجزئية الخاصة تعد استثناءً من أحكام كلية عامة تمنع الفطر في رمضان، وأكل الميتة، والنطق بكلمة الكفر؛ وتطبق على وجه العموم والإطلاق.


(١) أخرجه أحمد في المسند: ٣ / ٤٠٢ (جامع الأصول: ١ / ٣٨٢ - ٣٨٣) . العارضة: ٥ /٢٤١ - ٢٤٢ , نيل الأوطار: ٥ / ١٥٥
(٢) لفظ هذا الجزء من كلام الفقهاء وليس من الحديث (ابن تيمية: مجموع الفتاوى: ٢ / ٥٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>