للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قصر بعض أئمة الشافعية الرخصة على الثلاثة الأول: الواجب والمندوب والمباح؛ كالإمام البيضاوي.

ومنهم من لم يذكر المباح من هذه الأقسام، كالنووي (١) . واتفق الفقهاء على أن الرخصة لا تكون مكروهة ولا محرمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) (٢) .

تقسيمات الرخصة

لقد ذكر الأصوليون عدة تقسيمات للرخصة باعتبارات معينة. ونذكر بهذا البحث أهمها:

١- باعتبار الفعل والترك:

تنقسم الرخصة أولاً بالنسبة لما يقتضيه الأصل الكلي الذي جاءت الرخصة على خلافه قسمين:

أولاً: رخصة فعل: وهي ما اقتضت إباحة فعل على خلاف أصل كلي يقتضي المنع منه، كأكل الميتة ولحم الخنزير حالة الضرورة، والنطق بكلمة الكفر حالة الإكراه.

فالأصل الكلي في هذه الأحكام يقتضي المنع من تناول الميتة ولحم الخنزير، والنطق بكلمة الكفر، والرخصة خالفت الأصل وأجازت الفعل.

ثانيًا: رخصة ترك: وهو ما اقتضت إباحة ترك الفعل على خلاف أصل كلي يقتضي طلبه، كإباحة الفطر والقصر للمسافر، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالة الخوف على النفس أو أحد الأعضاء.

فالأصل الكلي هنا يقتضي الصيام وإتمام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرخصة أباحت ترك هذه الأشياء، لأن حق الله يفوت صورة لا معنى، لبقاء اعتقاد الفرضية؛ بينما حق الشخص في ذاته يفوت صورة ومعنى بهلاكه (٣) .

٢- باعتبار عموم الضرورة وخصوصها:

جاء في كتاب مقاصد الشريعة للشيخ ابن عاشور انتقاده علماء الأصول في إغفالهم قسمًا كبيرًا من الرخص لم يتعرضوا إليها، ولم يجعلوا لها حظا ملحوظًا في مباحثهم. فقال في مبحث الرخصة:

" كان حقا علينا أن نفي مبحث الرخصة حقه من البيان، لأني وجدت بعض أنواع الرخص مغفولاً عن اعتبارها عند الفقهاء" (٤) ثم يقول: " ورأيتهم لا يحتفلون إلا بالرخصة العارضة للأفراد في أحوال الاضطرار" (٥) .

ويستفاد من كلام الشيخ الإمام هنا، أن الرخص تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: رخص عامة ومطردة: وهي الرخص المبنية على ضرورات عامة مطردة كانت سبب تشريع عام، في أنواع من التشريعات، مستثناة من أصول كان شأنها المنع، مثل السلم والمغارسة والمساقاة. فهذه مشروعة باطراد. وكان ما تشتمل عليه من الضرر وتوقع ضياع المال مقتضيًا منعها، لولا أن حاجات الأمة داعية إليها، فدخلت في قسم الحاجي.


(١) نهاية السول شرح منهاج الأصول: ١ / ١٢٢.
(٢) المسند ٢ / ١٠٨، فيض القدير: ٢ / ٢٨٦، مجموع الفتاوى: ٢١ / ٦٢.
(٣) المغني في أصول الفقه: ص ٨٧.
(٤) مقاصد الشريعة الإسلامية: ص ١٣٢.
(٥) المقاصد: ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>