للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: ليس كل ما كان من التشريع رفعًا للحرج يسمى رخصة، وما كل حرج يرخص لأجله، ويمكن أن نؤكد أن الرخص تعني: تيسير ما شق من تلك الأحكام الميسرة ابتداء.

خامسًا: رفع الحرج لا يستلزم تخيير المكلف بين الفعل والترك، لأنه لا يمكن أن يكون موجودًا مع الواجب، مثلاً، بينما الرخصة تقتضي التخيير ابتداء بينهما.

الترجيح بين العزيمة والرخصة من الرخص ما يكون في مقابلة مشقة لا صبر عليها طبعًا، كالمرض الذي يعجز معه من استيفاء أركان الصلاة على وجهها، أو عن الصوم لخوف فوت النفس، أو لا صبر عليها شرعًا، كالصوم المؤدي إلى عدم القدرة على إتمام أركان الصلاة.

وهذا القسم راجع إلى حق الله. فالترخص فيه مطلوب (١) . ومن هنا جاء الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: ((ليس من البر الصيام في السفر)) (٢) .

فالرخصة في هذا جارية مجرى العزائم، باعتبار رجوعها إلى أصول كلية ابتدائية. ولذلك قال الفقهاء بوجوب أكل الميتة خوف التلف، وإن لم يفعل كان آثمًا؛ إلا إذا عارضت ذلك مصلحة أخرى راجحة على حفظ النفس، كحفظ الدين مثلا.

ومن الرخص ما يكون في مقابلة مشقة، وللمكلف قدرة على الصبر عليها، وهذا راجع إلى حقوق العباد، لينالوا حظا من رفق الله وتيسيره. فالمقام في هذه الحالة الأخذ بالعزيمة وإن تحمل في ذلك مشقة، وله الأخذ بالرخصة؛ أي أن المشرع يهدف إلى تقرير الإذن في طرفي الفعل والترك، وأنهما على السواء في قصده، فلا فرق عنده بين هذه أو تلك. ويتفرع على هذا أن المكلف يكون مخيرًا بين الإتيان بالعزيمة وبين الإتيان بالرخصة، وللترجيح بين الأمرين هناك عدة مرجحات.


(١) الموافقات للشاطبي: ١ / ٢١٧ – ٢١٨. أصول الفقه للخضري ص ٨٧.
(٢) البخاري، فتح الباري: ٤ / ٨٣، مسلم، شرح النووي: ٧ / ٢٣٣، المسند لأحمد: ٤ / ٢٩٩ – ٣١٧ – ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>