للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى أن فريقًا من الفقهاء أطلق لفظ الحيل على كل ما يحتال به توصلاً إلى مقصد، سواء كان مرغوبًا عنه في الشريعة الإسلامية أو مرغوبًا فيه. فالأول هو الاحتيال على الشريعة المؤدي إلى تعطيلها، بإسقاط حقوق الله تعالى، أو إضاعة حقوق عباده. والثاني هو التوسل بالطرق المشروعة للتخلص من الحرام، والتوصل إلى الحلال. ومنع الفريق الثاني من العلماء هذا الإطلاق على مطلق النوعين، وجعل كل منهما اسمًا، دلالة على اختلاف المدلول باختلاف الدال. وأحسن عنوان للمرغوب عنه لفظ الحيل، وللمرغوب فيه لفظ المخارج. وضابط التفرقة بينهما:

إن كل ما يتوسل به المرء لتطبيق الأحكام الفقهية تطبيقًا صوريًا غير حقيقي، يستلزم إغفال العلة التي بني عليها الحكم، وضياع حكمته الشرعية، فرارًا من أداء التكليف الشرعي، أو توصلاً إلى إبطال حقوق العباد الشرعية وقلبها ظهرًا لبطن. فهو من النوع المرغوب عنه، المسمى بالحيل.

وإن كل ما يتذرع به الإنسان للتخلص من الحرام، والتواصل إلى الحلال بمسوغ دفع الضرر وسد الذرائع أو جلب المصالح، بشرط الاحتفاظ بكيان الشرع، والمصلحة التي بني عليها الحكم، وحكمة تشريعه، صونًا لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، فهو من النوع المرغوب فيه، المسمى بالمخارج الشرعية التي شرعها الله لعباده (١) .

التلفيق ورأي الأصوليين والفقهاء فيه

التلفيق في اللغة: في لسان العرب (٢) وفي الصحاح وأساس البلاغة:

لفق الثوب، من باب ضرب يلفقه لفقا، وهو أن يضم شقة إلى أخرى، فيخيطها، وتستعمل بمعنى الملاءمة. إذا لاءمت بينهما بالخياطة، بضم إحداهما إلى الأخرى.

وأحاديث ملفقة أي أكاذيب مزخرفة، واللفاق الذي لا يدرك ما يطلب، ولفق الصقر إذا أرسل فلم يصطد، أما لفق بالكسر فمعناه: أصاب وأخذ وهو أيضا بمعنى طفق.

وفي اصطلاح الفقهاء يستعمل الفقهاء التلفيق بمعنى الضم، كما في المرأة التي انقطع دمها، فرأت يوما دما ويوما نقاء أو يومين، بحيث لا يجاوز التقطع خمسة عشر يوما عند غير الأكثرين، وهو الأظهر عند الشافعية (٣)


(١) انظر عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق، لمحمد سعيد الباني: ص ٢٤١ – ٢٤٢.
(٢) لسان العرب: ٣٨٢/٣
(٣) روضة الطالبين: ١٦٢/١

<<  <  ج: ص:  >  >>