للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأصوليون من الأحناف فقد تناولوا المسألة الأولى وحدها ولم يتناولوا المسألة الثانية كما صنع شمس الأئمة السرخسي في أصوله، وأبو البركات النسفي في المنار، وغيره، وذهبوا إلى منع إحداث القول الثالث مطلقا.

وقالوا: إن الأصل هو أن السكوت يدل على الوفاق وينعقد به الإجماع. وعلى هذا الأصل تتخرج المسألة. فإذا اختلف مجتهدو عصر على قولين أو أقوال، فقد أجمعوا على حصر الأقوال في المسألة، وفي ما عداها، فإحداث قول ثالث أو جديد فيها يكون خرقا للإجماع السابق.

قال السرخسي: ومن هذا الجنس ما إذا اختلفوا في حادثة على أقاويل محصورة، فإن المذهب عندنا أن هذا يكون دليل الإجماع منهم على أنه لا قول في هذه الحادثة سوى هذه الأقاويل، حتى ليس لأحد أن يحدث قولا آخر برأيه. وعند بعضهم هذا من باب السكوت الذي هو محتمل أيضا. فكما لا يدل على نفي الخلاف لا يدل على نفي قول آخر في الحادثة. فإن ذلك نوع تعيين لا يثبت بالمحتمل (١) ....

أما صاحب المنار فيقول: " والأمة إذا اختلفوا في مسألة على أقوال في أي عصر كان، كان إجماعا منهم على أن ما عداها باطل، ولا يجوز لمن بعدهم إحداث قول آخر، كما في الحامل المتوفى عنها زوجها.

وقيل تعتد بعدة الحامل، وقيل بأبعد الأجلين، وقيل هذا في الصحابة خاصة، فإنهم إن اختلفوا على قولين كان إجماعا منهم على بطلان القول الثالث. والحق أن بطلان القول الثالث مطلق، يجري في اختلاف كل عصر " (٢) .

وقد رد هؤلاء على من ذهب إلى جواز ذلك استنادا إلى أن هذا سكوت عن غير ما أبدوه. فلا يكون إجماعا. كما ردوا على من قال إن الاختلاف في المسألة دليل على أنها مسألة اجتهادية فيسوغ الاجتهاد فيها.

أما أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (٣) فقد أورد المسألتين منفصلتين، وجعل وضع كل منهما في اختلاف الصحابة وحده، وقال في الأولى بالمنع، ورد على من ذهبوا إلى الجواز. وقال في المسألة الثانية أنه لم يصرح المختلفون بالتسوية بين المسألتين جاز للتابع أن يأخذ في إحدى المسألتين بقول طائفة وفي الأخرى بقول الطائفة الأخرى، وقال: إن من الناس من زعم أن هذا إحداث قول ثالث، وهذا خطأ، لأنه وافق في كل واحدة من المسالتين فريقا من الصحابة.


(١) أصول السرخسي: ١ /٣١٠
(٢) المنار: ٢ /١١٢
(٣) اللمع: ص ٦١- ٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>