أولا: إن المسألتين الأصوليتين السابقتين سواء أبقيتا منفصلتين أم جعلتا مسألة واحدة، هما محل اختلاف بين العلماء. فقالت طائفة فيهما بالجواز مطلقا، وقالت طائفة بالمنع مطلقا، وقالت طائفة بالتفصيل الذي سبق بيانه.
ثانيا: إن المانعين بإطلاق استندوا إلى أن سكوت المجتهدين المختلفين يكون إجماعا منهم على نفي ما لم يقولوا به، وإن المفصلين استندوا في الحالات التي قالوا فيها بالمنع إلى إجماع المختلفين على حكم مشترك ناشئ عن أقوالهم، وكل من هذين الإجماعين لا يمكن القول بحصوله إلا إذا عرف أن كل مجتهدي العصر قد خاضوا في الموضوع واختلفوا فيه. أما مجرد نقل أقوال لبعضهم فلا يدل على تحقق أي من الإجماعين.
ثالثا: إذا تعددت محال الحكم المختلف فيه لا ينظر إلا إلى الحكم المشترك بين القولين أو الأقوال. فلا ينظر إلى ما يسمونه الحقيقة المركبة التي تجمع محال الحكم، كالطهارة أو الصلاة ممن احتجم أو مس المرأة التي يطلق عليها الحنفية في كتب الفقه الفصلين الاجتهاديين (١) .
الثاني: التلفيق في التقليد:
ما دام الحديث في هذا المسألة عن التلفيق في التقليد، كان من الواجب أن أبين من هو المقلد والمستفتي في اصطلاح الأصوليين والفقهاء، حتى يسهل بعد ذلك الحديث عن التلفيق في التقليد.
والمقلد هو العامي الصرف، أو من له نظر وبصر بالمذاهب، غير أنه لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فيجب عليهما تقليد مجتهدين، واجتهاد المجتهد بالنظر لهما كالأدلة الإجمالية بالنسبة للمجتهد.
والعامي الصرف لا يصح له مذهب ولو تمذهب به، ومذهبه في كل نازلة هو مذهب من أفتاه فيها.
أما من كان له نوع بصر بالمذاهب، وتأهل للنظر والاستدلال فيه، فإنه إذا تمذهب بمذهب إمام بعينه، فمعنى ذلك أنه متبع له في العلم والمعرفة والاستدلال في العمل إذا ما دعت إليه الحاجة.