ومن التزم بمذهب إمام بعينه فالأصح أنه لا يلزمه، لأن التزامه به غير ملزم، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله، ولم يوجب الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده في دينه في كل ما يأتي ويذر دون غيره. وإذا التزم بمذهب معين فله الانتقال عنه كلية إلى مذهب آخر، وله أن ينتقل منه في بعض الأحكام في آحاد المسائل.
أما أهل الاجتهاد المقيد، فيجب عليهم تقليد أهل الاجتهاد المطلق في أصول مذاهبهم فقط، دون الفروع.
وأهل الاجتهاد المطلق لا يجوز لهم تقليد غيرهم مطلقا، وإنما الواجب عليهم العمل باجتهادهم (١) .
وقد نقل الثقات عن عدد عظيم من العلماء أنهم تحولوا من المذاهب التي كانوا يقلدونها إلى غيرها. كما نقلوا عن غيرهم أنهم ما كانوا يلتزمون مذهبا معينا فيما يؤلفون من الكتب الفقهية وفي إفتاء العامة، وهؤلاء كانوا خلقا كثيرا في عصور مختلفة، ولم ينكر عليهم أحد تحولهم أو عدم التزامهم بمذهب معين. ثم ما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم هذا المذهب في مسألة والآخر في أخرى والثالث في ثالثة، وكذلك إلى ما لا يحصى، ولم ينقل إنكار ذلك عليهم، ولم يؤمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم.
التلفيق في التقليد على ضربين:
الأول: تلفيق بين الأحكام الكلية للعمل والمعرفة والاطمئنان إلى الأرجحية، من غير نظر إلى جزئيات تلك الأحكام وما يمكن أن يترتب على العمل بها في النوازل المختلفة. والظاهر أن هذا النوع من التخيير والتقليد جائز، ولا أثر لخلاف معتبر فيه. وصورته أن من كان مقلدا لأبي حنيفة مثلا وتزوج بلا ولي، ثم رجع عن تقليده في أحكام الأنكحة وقلد الشافعي من غير نظر إلى هذه الجزئية، بقي زواجه صحيحا ولا يحتاج إلى تجديد، ويعمل بأحكام الشافعي حال بقاء هذه الزوجية، وإن بقيت آثار العقد التي تمنع من التقليد. فالممنوع هو الرجوع عن المذهب في خصوص الجزئية التي قلد فيها مع إرادة الاستمرار على العمل بالآثار. أما لو رجع عنه إلى غيره من غير ملاحظة تلك المسألة بخصوصها لم يمتنع الاستمرار على الآثار، وإذا أدى إلى تلفيق لم يكن قادحا.