للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضوابط الأخذ بالرخصة

حتى يكون الأخذ بالرخصة مفيدًا ومعينًا للمسلم على التمسك بدينه منتهيًا عن النواهي وآتيًا من الأوامر ما يستطيع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابد من وضع هذه الرخصة في دائرة ما نحن مطالبون به، وبالمقدار المحدد دون إقلال المتشددين ولا إكثار المتساهلين.

ولو شخصنا الرخصة تشخيصًا ماديًا لوجدناها أشبه بالملح الذي هو أحد مصلحات الطعام، فلا يجوز الإعراض عن الملح لأن في ذلك تعريض الجسم للهزال والسقم، كما يعرض من يشاد الدين – بترك الرخص – إلى أن يغلب ويعجز كما لا يجوز الإكثار من الملح كي لا ينقلب مفسدًا للطعام، كما يوشك المكثر من الترخص بمجرد الوهم أن يفسد دينه بالتخلي عن الواجبات والتحلل منها.

لذا تعين – لصحة الأخذ بالرخصة – أن نأخذ بالاعتبارات التالية:

أ- ضرورة الوقوف على حقيقة الرخصة باعتبار أنها تشريع من الله تعالى ومنحة منه ورحمة بعباده، يصح الأخذ بها، ولا يجوز الإعراض عنها لأنها قد تتعين فيصير الأخذ بها واجبًا كما أسلفنا، وقد تندب فيصير الآخذ بها أفضل وأكثر ثوابًا من الآخذ بالعزيمة، ولقد علم الذين يلوذون برحمة ربهم أنه لن ينجو أحد بعمله – كما أخبر صلى الله عليه وسلم – ولكن النجاة إذا تغمدهم الله تعالى برحمته.

ب- الالتزام بحدود الرخصة كما بينها الفقهاء والأصوليون في تعريفاتهم التي أسلفنا الحديث فيها، وبذلك يتميز المسلك السليم لمن رام أو لمن تعين عليه الأخذ بالرخصة.

جـ- بالوقوف على الأسباب المسوغة لترك العزيمة والداعية للانتقال إلى الرخصة، وهي عبارة عن الضوابط الحقيقية للأخذ بالرخصة، شأن السبب الذي يلزم من وجوده الوجود – كما هو معلوم – ومن عدمه العدم.

وقد أوصلنا هذه الأسباب إلى عشرة عدا، وهي المذكورة – فيما تقدم – في مبحث: التقسيم الخامس للرخصة باعتبار أسبابها.

وتكاد لا تخرج ضوابط الرخصة عن حدودها وأسبابها التي لتفاوت بعض الرخص نزلت منزلة العلة.

د- بمعرفة القيود التي لا تخرج الرخصة عن كونها حكمًا شرعيًا يتعبد به كما يتعبد بالعزيمة، وعن كونها مقصدًا شرعيًا شرع لجلب المصالح ودرء المفاسد مثل العزيمة ومن هذه القيود:

١- نية التعبد والتقرب بالرخصة والإخلاص فيها لله تعالى دون سواه، لأن السنة المطهرة قد بينت أن من كان مريضًا أو مسافرًا فترك ما كان عليه من عبادة، فله مثل أجر ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا.

٢- عدم اتباع الهوى والتشهي في الأخذ بالرخصة: حتى لا يصبح الإنسان متحللا من دينه، خارجًا عن ربقة التكليف والعياذ بالله.

٣- الوقوف بالرخصة عند حد الضرورة، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، دون تجاوز، ودون تعسف.

٤- اللجوء إلى الرخصة والاعتداد بها باعتبار أنها تيسر على المكلف القيام بالواجب، وليست طريقًا للتحلل من أحكام الشريعة ولا للتحيل على أحكامها، ولا لتغيير ما جاء فيها من ثوابت أنيطت بها مصالح العباد والبلاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>