للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتبع الرخص

الرخصة في هذا المبحث ليست هي الرخصة الاصطلاحية التي ترجع إليها كل الأبحاث السالفة لحد هذا، أعني ليست الرخصة التي تقابل العزيمة، باعتبار أنها من تقاسيم الحكم الشرعي لدى أغلب الأصوليين وليست الرخصة التي لا جدال في الأخذ بها لأنها مشروعة بالكتاب والسنة، ومعلومة من الدين بالضرورة، وإنما هي الرخصة بالمدلول اللغوي للكلمة، والمراد منها على التحديد: رخص المذاهب الفقهية، وذلك بأن يتتبع لمذهب ما يكون أيسر له وأخف عليه في مذهب إمام آخر غير إمامه فيقلده.

ونحن لا نرى حاجة في نقل أقوال العلماء بنصها في هذا المبحث إذ هي مبسوطة في الكتب، وفي المتناول متى أحببنا الرجوع إليها ولهذا المبحث: تتبع الرخص ومع مبحث التلفيق توجهت عناية المتأخرين، وخص الحديث فيهما بكتاب كالذي وضعه الشيخ محمد سعيد الباني وطبع بمطبعة حكومة دمشق سنة ١٣٤١هـ.

غير أنا نرى من الأجدى تقسيم هذه الأقوال بحسب توجهاتها وتعليل المنحى الذي انتحاه أصحابها، حتى لا تستغرب هذه الأقوال من قائليها، ولكل وجهة هو موليها وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا ...

تناول العلماء (الأصوليون والفقهاء) هذا المبحث أعني: تتبع الرخص ومثله المبحث الآتي وهو: التلفيق، في غضون كلامهم على التقليد وأحكامه في الغالب.

- هل يجوز للمقلد أن يخرج عن مذهب إمامه الذي قلده؟ منع بعضهم ذلك، واشترط من جوزه: أن لا يفضي أمر انتقاله إلى مذهب آخر إلى الوقوع في ما سماه العلماء بتتبع الرخص في المذاهب.

قال ابن السبكي في متنه: جمع الجوامع: " وأنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب " ونبه الجلال المحلي إلى المراد فقال: " بأن يأخذ من كل منهما [أي من هذه المذاهب] ما هو الأهون فيما يقع من المسائل " وقال البناني في حاشيته معللا لهذا المنع: " وإنما امتنع ذلك لأن التتبع المذكور يحل رباط التكليف، لأنه إنما نبع حينئذ مما تشتهيه نفسه " (١) .


(١) انظر: حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع: ٢ /٢٥٦ (المطبعة الخيرية: ط أولى – مصر ١٣٠٨هـ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>