٢- القائلون بالتفصيل في جواز تتبع الرخص:
القائلون بالتفصيل في قضية تتبع الرخص في المذاهب، هم الذين نظروا إلى مقصد القائلين بالمنع، ومقصد القائلين بالجواز، وذلك حين قالوا – كما هو ملاحظ من خلال أقوالهم وتفصيلاتهم – بما قال به المانعون والمجيزون جميعا، وهو ما نلخصه فيما يأتي:
أ - التصدي لما قد ينجم عن فتح الباب بإطلاق، من عبث بالشريعة أو علم بهوى النفوس، أو إقدام على فك رباط التكليف، وعلى التلاعب والتحيل، وخصوصًا فيما يرجع لحقوق العباد.
ب - الإبقاء على هذا العمل بمقصد التيسير الذي جاءت به الشريعة، وعمل به المسلمون منذ عهد الصحابة دون نكير، ودون مانع لا شرعًا ولا عقلاً.
لذا جاء تفصيلهم تفريقًا بين المقبول والمرفوض من تتبع الرخص، وأحيانا بوضع شرط أو شروط لدرء المحظورات التي قد تنجم عن تتبع الرخص.
* أما الواضعون للشرط تقييدًا للجواز وإخراجًا للمنوع، فمنهم:
- الإمام القرافي من المالكية.
اشترط أن لا يترتب على عمله في تتبع الرخص بطلان عند جميع من قلدهم، مثال ذلك:
متوضئ توضأ دون ذلك (تقليدًا للشافعي) ودون نية (تقليدًا لأبي حنيفة) وصلي بهذا الوضوء بعد أن لمس امرأة دون قصد.
فوضوؤه وصلاته باطلان عند جميع من قلدهم.
فهذه الصورة من تتبع الرخص ممنوعة عند القرافي لاختلال الشرط، ولكنها صورة من صور التلفيق المفضي إلى كيفية لا يقول بها مجتهد، كما سيأتي في مبحث التلفيق.
- ومثال الصورة التي يتوفر فيها شرط القرافي.
أن يتوضأ المالكي دون ذلك للأعضاء (كما هو واجب في مذهبه) مقلدًا في ذلك الإمام الشافعي، ثم يصلي بذلك الوضوء.
فإن صلاته صحيحة على مذهب الشافعي الذي لا يري وجوب الدلك، وهي صحيحة عند مالك، لأن مالكًا لا يمتنع من الصلاة خلف شافعي ولا يقول ببطلان صلاة الشافعية من أجل ترك الدلك.
- ومنهم الآمدي وابن الحاجب وقد اشترطًا أن يكون قبل العمل لا بعده حتى لا يستلزم الرجوع عما عمل به وتم من قبل.
مثاله: من توضأ دون نية على مذهب إمامه وصلي، ثم سال منه دم فقال: أبقي على وضوئي أخذًا بمذهب مالك، لم يجز لأن تقليده الثاني جاء متأخرًا.
أو كمن قال لزوجته: هي طالق البتة، ورأى أنه الثلاث فأمضاه، ثم وجد من يقول: إنها طلقة رجعية فلا ينقض الحكم الأول ولا يرجع إلى ما رآه ثانية.