للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ومن القائلين بالشرط ابن دقيق العيد، وله في الحكم بالجواز ثلاثة شروط:

١- أن ينشرح صدره للمذهب الذي انتقل إليه.

٢- أن لا يقصد التلاعب.

٣- أن لا يكون ناقضًا لما قد حكم عليه به.

وهي شروط واضحة ومعقولة يفرضها صدق العزم والإخلاص في العمل.

* أما القائلون بالجواز مع التفصيل:

- فمنهم: إمام الحرمين الذي قال: إن كان بعد الحادثة التي قلد فيها غير إمامه لم يجز له الانتقال، وإلا جاز، وكلامه شبيه بما يقدم من الشروط.

- ومنهم القدوري الحنفي الذي قال: إن غلب على ظنه أن مذهب غير إمامه أقوى في تلك المسألة جاز، وإلا فلا يجوز ومنهم العز بن عبد السلام الذي قال: إن كان المذهب الذي أراد الانتقال إليه ينقض الحكم، لم يجز له الانتقال، وإلا جاز.

الحكم بفسق المتلاعبين بأحكام الشريعة:

لم يزل العلماء يحثون على حسن الامتثال لأحكام الشرع، ويحذرون الذين يخالفون عن أمره أن ينالهم وبال أمرهم.

ولقد حكموا صراحة بفسق المتلاعبين بأحكام الشرع العزيز:

- قال الإمام أحمد:

" لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة، كان فاسقًا ".

ووضع العز بن عبد السلام قاعدة في تفسيق الطالب للسهولة عن طريق تتبع الرخص فقال:

" ينظر إلى الفعل الذي فعله، فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم، وإلا لم يأثم ".

وعن الإمام الأوزاعي أنه قال:

" من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام ".

كما نبه إلى الرخص التي لا يعتد بها، لأنها نوادر – كما سماها الأوزاعي تلطفًا – وهي في الحقيقة أخطاء وزلات، فقال: " يترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع وإتيان النساء في أدبارهن، وقول أهل الشام الحرب والطاعة، ومن قول أهل الكوفة النبيذ ".

والحاصل من هذه الأقوال للعلماء في تتبع الرخص، أنهم مجمعون على المنع إذا كان الدافع هوى النفس أو الهروب من أداء الواجب أو التلاعب بالأحكام والتحيل فيها.

ولا يمنعون صاحب المقصد الحسن – والأمور بمقاصدها – من تقليد غير إمامه فيما حدث له، طلبًا للتيسير على النفس ودفعًا للمشقة الزائدة التي تعوق عن الاستمرار والمواصلة، وخير العمل عند الله ما كان دائما كما ورد في السنة المطهرة: كالمالكي يشق عليه العمل بمذهب إمامه في انتقاض الوضوء بمس الذكر ولو بطرف الإصبع من غير قصد، فيقلد أبا حنيفة الذي لا يرى ذلك ويقول: إن هو إلا بضعة منك.

فإذا خلص العمل، وصفا المقصد، واستقام الفعل، لا أحد يمنع من الاستعانة على القيام بالواجب بالبحث عن وجه من أوجه التخفيف واليسر في المذاهب الأخرى، وهذا ما عناه ودلل عليه العز بن عبد السلام في الفتاوى إذ قال:

" لا يتعين على العامي إذا قلد إماما في مسألة، أن يقلده في سائر مسائل الخلاف، لأن الناس من لدن الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب يسألون – فيما يسنح لهم – العلماء المختلفين، من غير نكير، سواء تبع الرخص في ذلك أو العزائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>