للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلفيق

التلفيق لغة: هو ضم شقتي الثوب أحدهما إلى الآخر ليخيطهما الخياط، وهو من فعل (لفق) الثلاثي من باب ضرب – ثم ضعفت العين.

والتلفيق في اصطلاح الفقهاء والأصوليين هو: الإتيان بالعمل الذي صار بعد تقليد المذاهب على كيفية لا يقول بها واحد من المجتهدين.

المثال: من توضأ من غير دلك الأعضاء، وبمسح بعض الرأس، ثم صلى بعد أن لمس امرأة دون قصد ولا شهوة فصلاته بهذا الوضوء الملفق باطلة عند الأئمة:

باطلة عند الشافعي لنقض الوضوء باللمس.

باطلة عند أبي حنيفة لعدم مسح ربع الرأس على الأقل.

باطلة عند مالك لعدم الدلك ولعدم مسح جميع الرأس.

باطلة عند أحمد لعدم مسح جميع الرأس أيضا.

رأي العلماء في التلفيق وحكمه عندهم:

التلفيق ظاهرة من ظواهر الحركة العلمية في العالم الإسلامي نشأت عند المتأخرين، ولم تكن معروفة عند الأئمة المجتهدين ولا عند من جاء بعدهم من أهل التخريج على المذاهب الفقهية، وينسب الشيخ السنهوري إلى القاضي نجم الدين بن علي الطرسوسي (المتوفى سنة ٧٥٨هـ) أنه أول من تكلم في التلفيق بسبب وقوفه على حكم لحسام الدين الروي (المتوفى سنة ٦٨١هـ) حكم فيه بصحة وقف المحجور للسفه، وهو حكم قد أشكل عليه، لأنه مركب من مذهبي أبي حنيفة وأبي يوسف، ورأى مثل هذه الواقعة المركبة من مذهبين، وقد نفذت من طرف بعض القضاة وتبعهم بعض من جاء بعدهم من العلماء، كما أجازه كل من الكمال بن الهمام، والسيد الشريف محمد أمين (الشهير بأمير بادشاه) شارح التحرير (المتوفى سنة ٩٧٢هـ) .

- أما عن حكم التلفيق فالاختلاف فيه أشد من المسألة قبله وهي مسألة تتبع الرخص في المذاهب، ومنهم المانعون، ومنهم المجيزون، ومنهم من يفصل:

المانعون:

- أغلب الفقهاء والأصوليين قد درجوا على منع التلفيق حتى ادعى بعض الحنفية قيام الإجماع على المنع (١) ودليلهم في المنع: أن التلفيق طريق إلى تحليل الحرام مثل تحليل الزنا والخمر ونحوهما.

- أن الدافع إليه هوى النفس وحب التحلل من التكاليف الشرعية.

- أنه ينقض حكم الحاكم الذي به دفع الخلاف وإقامة العدل.

المجوزون:

حجتهم في هذا كحجتهم في تجويز تتبع رخص المذاهب، ولا يزيدون.

المجيزون مع التفصيل:

قلة من العلماء يضعون القيود والشروط لتجويز التلفيق، وقصدهم الإبقاء على ما فيه من تيسير على الناس في إقامة دينهم مع استبعاد ما فيه من استهانة بأحكام الشرع أو تحيل على التحلل منها، أو تكييفها للوصول إلى أغراض، من ورائها الشيطان، كالاعتداء على الآخرين وأكل أموال الناس بالباطل.


(١) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، للقرافي: ص ٢٥٠ وما بعدها (ط حلب: سوريا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>