للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجيح ما هو أحق بالاتباع خصوصًا في عصرنا

والخلاصة: أن إطلاق الحكم بالمنع أو الجواز في العمل بالتلفيق فيه شيء من عدم الاطمئنان إزاء مسئولية العالم والمفتي في هذا العصر، لأن ذلك لا يكفي ولا يوضح للناس سبيلهم، وإنما السبيل إلى الحق أن نقول بالمنع المشدد في قضايا التلاعب والاستهتار بالدين كمن يلفق فيتزوج امرأة، صورة زواجه لا تختلف البتة عن صورة زناه بها.

فمثل هذه القضايا والأحكام، قد قام الإجماع على تحريمها وبطلانها، وإذا لم يكن إجماعا قوليا فهو سكوتي.

والسبيل أن نقول بعدم المنع وعدم التقيد بمذهب فقهي واحد في مجابهة ما يستجد – دون توقف – من قضايا العصر، اعتبارًا لكون التعدد في المذاهب الفقهية رحمة للأمة، وتوسعة من الله على العباد ... فمن يمنع عن الناس رحمة ربهم؟

وماذا نفعل – إذا قلنا بمنع العمل بالتلفيق – في المجامع العلمية أنخصص كل مذهب بمجمع؟ ثم ماذا نفعل بالاجتهاد الجماعي أنصنف العلماء بحسب مذاهبهم ويصبح الاجتهاد الجماعي ربع جماعي – أو خمس جماعي لأن المذاهب أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك؟

إن من أخطر مسؤوليات العلماء في هذا العصر، أن لا ينفلت زمام الأمر من بين أيديهم، فينسى الناس أو يتناسون أن لهم دينًا يجب الرجوع إليه لحل قضاياهم المعاصرة والمعقدة في سائر مجالات الحياة سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو العلمية أو التقنية، وبهذا يكون الوفاء للإسلام لا بالانطواء والرفض وترك الخلق للخالق كما يقال، ولكن بالتدليل في كل يوم على أن الإسلام دين الحياة المعاصرة بما في المعاصرة من مفهوم صحيح نظيف، نعم هو دين يحب الخير والمصلحة الصحيحة ويأمر بهما، ويكره الشر والفساد في الأرض وينهى عنهما.

لقد وجد الفكر الإسلامي في المذاهب الفقهية الجماعية زادًا عظيمًا وثراء نادرًا منحه النضج والعمق وسعة النفاذ والامتداد، مما أكسبه دورًا فعالاً – منذ وجد هذا الفكر الإسلامي – فيما حوله وفي الفكر الإنساني على العموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>