ملخص البحث
موضوع " الأخذ بالرخص الشرعية " له مكانته وتأثيره بين الناس في هذا العصر إذ الناس مع الرخص على ثلاثة أقسام:
الأول: المجانبون لها خوفًا وجهلاً وهم الواقعون تحت الاتجاه التصوفي الذي يحذر من اللجوء إلى الرخص طلبًا لمزيد الثواب بفعل العزيمة في زعمهم.
الثاني: التاركون للرخص جملة ويكادون لا يؤمنون بها حتى أنك ترى الواحد منهم – وهم في الغالب من العامة أو أشباهم – يترك الطهارة لعدم القدرة عليها، ويترك بتركها الصلاة، ولا يتيمم، ولم يعرف التيمم في حياته.
الثالث: الآخذون بالرخص العالمون بمنزلتها، وهم أهل الذكر وعددهم في هذا العصر في تناقص، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قد رأينا أن نقدم للموضوع بمدخل لا غنى عنه يؤصل الرخصة في الشريعة الإسلامية ويبين مكانتها ووزنها في تيسير أحكام الشريعة على المكلفين.
وألححنا في هذا المدخل على جانبين:
أ- لزوم الأخذ بالرخصة والعمل بها لأنها تيسير من الله، وخير من لدنه، وليس لأحد أن يرد خير الله، وليس لأحد أن يترك حمده على ما أنعم.
كما بينا في هذا الجانب أن الآخذ بالرخصة ليس أقل فضلاً وثوابًا من الذي يعمل بالعزيمة كيف؟ وقد تكون الرخصة واجبة كما بينا أن التوجه الصوفي في التحذير من الأخذ بالرخص يتنافى مع التوجه الشرعي في التيسير والتخفيف، كما علم ذلك من نصوص الكتاب والسنة ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونضيف هنا: أن التوجه الصوفي في الحذر من الرخص يوافق توجها مسيحيا يقر رهبانية ابتدعوها، تؤمن بإدخال المشقة على الجسم وتعذيبه ابتغاء الثواب وانتصارًا للروح، لأن الإنسان بروحه لا بجسمه الفاني، كما يقولون، كما بينا أنه ما ترك أحد الرخص، وشاد الدين إلا غلبه.
ب- عدم التهاون بأحكام الدين، واللجوء إلى الرخص لأدنى الأسباب ولأخف المشقة والإنسان في ذلك موكول إلى إخلاصه لله، وعليه أن يستفتي قلبه، ولا يفتيه أحد غير قلبه، ولا ينسين المؤمن أن الوسطية والعدل يقوم عليهما كل حكم، وكل أمر شرعه الإسلام.
فليكن الموقف من الرخصة موقف الأخيار العدول لا موقف المتنطعين ولا موقف المتحليين.
مبحث تعريف الرخصة مبحث هام لأنه يكشف عن أنواع الرخص، التي منها الحقيقية وقد عرفها الشاطبي بقوله: " ما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على موضع الحاجة فيه "، ومنها الرخص المجازية أو رخص المصالح العامة المطردة كالعقود المستثناة من قاعدة المنع والتي يرى الشيخ ابن عاشور أنها أولى بالاعتبار لأن مصلحتها عامة والحاجة إليها قائمة.
أما مبحث أنواع الرخص: فهو المبحث الذي تبسط فيه أقسام الرخص باعتبارات مختلفة، وأهم هذه التقسيمات تقسيمان.